مكر الرجال

TT

كنت أستمع في ديوان حديث الأمة بلندن للمحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور محمد الشيخلي عن حقوق المرأة في الإسلام. الشائع بين الغربيين، وحتى بين العلمانيين، أن الإسلام يقمع المرأة ويقلص حقوقها. مضى الدكتور المحاضر في شرح كيف أن التقاليد الذكورية التي فرضها الرجال على المجتمع بمكر وأنانية هي التي قمعت حقوق المرأة، وليس الشرع الإسلامي. أول اعتراض على الإسلام أنه يعطي الذكر في الإرث ضعف ما يعطيه للأنثى.

ينبغي النظر لهذه القاعدة ضمن منظومة الدين الإسلامي، وليس بمفردها على حدة. يكتشف الإنسان عندئذ أن تلك القاعدة مرتبطة بالتزام الرجل بإعاشة المرأة. تستطيع أي واحدة أن تطالب أخاها أو عمها أو أي قريب لها، مهما بعد عنها في النسب، بأن يدفع لها نفقة طيلة عزوبتها حتى تتزوج، وعندئذ يصبح الزوج مسؤولا عن نفقتها وإعاشتها. توجد هذه القاعدة في الإسلام فقط. ولكن الذكور بمكرهم استطاعوا إبطال هذا المبدأ على المستوى العملي؛ غرسوا في النساء فكرة العيب. عيب عليها أن تذهب للمحكمة وتستعرض فقرها وحاجتها لمساعدة، وعيب عليها أن تجلب عمها أو أخاها للمحكمة وتقول للقاضي: هذا الرجل لا يراعي الشرع، أو لا يعبأ بحالتي وبؤسي.

وهكذا فقدت ملايين النساء المسلمات هذا الحق الشرعي الذي يؤكد عليه الشرع، وكله بسبب التقاليد التي فرضها عليها الرجل.

وعندما تجرؤ وتمارس هذا الحق وتحصل على نفقة ينتقم منها الرجل بمضايقتها والتدخل في حياتها الخاصة؛ حتى تمل وتضطر للتنازل عن النفقة.

نتكلم دائما عن مكر النساء، وأين ذلك حقا من مكر الرجال؟

ومن الطريف أن الإسلام يعطي حق النفقة للإناث فقط، ولا يعطيه للذكور. فليس للرجل، مهما كان فقيرا، أن يطالب عمته مثلا بالنفقة، مهما كانت غنية. وعلى عكس شرائع الديانات الأخرى، يعطي الإسلام المرأة شخصيتها المستقلة، خاصة في الشؤون المالية، وليس للرجل أي حق في التدخل فيها، أو أخذ شيء منها. وهنا أيضا نرى كيف قلب الرجال هذه القاعدة ومكّنوا أنفسهم، على المستوى العملي، من أن يسيطروا على ما تملكه أو تكسبه المرأة.

والمعروف أن أوروبا المسيحية لم تعترف بشخصية المرأة ماليا حتى السنوات الأخيرة، وتأثرت في ذلك بالشريعة الموسوية التي تحرم على المرأة حتى الإرث. ومما يذكر أن المسيحيين واليهود في العالم العربي آثروا اتباع الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالإرث، واعترضوا على حجبها عنهم عند هجرتهم لإسرائيل. فالتنظيم العملي في الإرث للشرع الإسلامي كثيرا ما أثار إعجاب المستشرقين في دقته ومنطقيته.

النقد الرئيس الثاني لدى الغربيين ضد الإسلام هو أنه يجوّز تعدد الزوجات. ولكن الدكتور الشيخلي استحضر الشروط المرتبطة بهذا الحق، التي تجعله عمليا في حكم الاستحالة. الزواج في الإسلام عقد شرعي، ويتفق الفقهاء على أن العقد شريعة المتعاقدين. وهو ما يعني أن للمرأة أن تدرج فيه أي شروط تشاء، كحقها في تطليق زوجها (العصمة)، ومنعه من الزواج بثانية. ولكن مكر الرجال فوت عليها ما أعطاها الرب.