النوافذ المغلقة في المستشفيات.. لماذا؟

TT

لا تزال القضايا المتعلقة بتصميم بناء المستشفى تثير جدلا وبحثا في الأوساط الطبية، والسبب هو البحث عن إثبات الجدوى والفائدة. وأحد الأمثلة الشائعة والمسلم بها في بناء وتصميم المستشفى هو أن تكون النوافذ في غرف العمليات وفي غرف تنويم المرضى وفي الممرات بالمستشفيات مغلقة، والداعي الأهم وراء تبني هذا السلوك الطبي هو الحد من انتشار العدوى الميكروبية بين المرضى. وفي السابق، كانت المستشفيات تتبنى الحرص على إبقاء النوافذ مفتوحة واستخدام مبدأ «تغيير الهواء» في حجرات وعنابر تنويم المرضى، وذلك وسيلة لتنقية الهواء وتسهيل عملية شفاء المريض.

وتحديدا، وقبل اكتشاف المضادات الحيوية، كانت معالجة بعض الأمراض الميكروبية، مثل سل الدرن، تعتمد على مبدأ بقاء المريض في أحد المصحات أو المستشفيات التي في مناطق مرتفعة نسبيا والتي تتمتع بالهواء العليل النظيف لتلك المناطق الريفية، وكان المرضى يتعافون ببطء. كما كان انتقاء مكان بناء المستشفى يعتمد على البحث عن المنطقة التي لا «تتعفن» فيها بسرعة لحوم الطيور أو غيرها، دليلا على نقاء الهواء فيها وبالتالي تكون الأفضل لبناء المستشفى وضمان علاج المرضى فيها بكفاءة أعلى.

ولكن يبدو أن ثمة مراجعات علمية ربما تقودنا نحو إعادة الاعتبار والتقدير لهذا النهج القديم وربما عودة تبنيه وتطبيقه، على الأقل في جانب السماح للمرضى وغيرهم بإبقاء النوافذ مفتوحة في غرف تنويم المرضى.

وضمن عدد 16 أبريل (نيسان) من «مجلة البناء والبيئة»Building and Environment Journal، عرض الباحثون من جامعة ليدز نتائج علمية مثيرة للاهتمام. وما قام الباحثون به هو محاولة اختبار مدى جدوى فتح نوافذ غرف تنويم المرضى بالنسبة لمعدلات انتشار الميكروبات في تلك الغرف، وبالتالي لمعدلات انتشار عدوى الأمراض الميكروبية بين المرضى المنومين فيها.

ولاحظ الباحثون أن إبقاء النوافذ مغلقة في غرف تنويم المرضى بالمستشفيات الكبيرة ربما يرفع من مخاطر تعرض المرضى لعدوى الميكروبات! واستخدم الباحثون البريطانيون وسائل تقنية معقدة اعتمدت على غاز ثاني أكسيد الكربون لتتبع ورصد انتشار عدوى الميكروبات التي تنتقل عبر الهواء حول أسرة تنويم المرضى وعلى أسطح الأسرة نفسها وأغطيتها.

وبمقارنة غرف المرضى التي تم فتح نوافذها لتغيير الهواء مع الغرف التي تم إبقاء نوافذها مغلقة، تبين للباحثين أن فتح النوافذ وتهوية الغرفة بالهواء الخارجي كان عاملا إيجابيا في خفض معدلات خطورة انتشار العدوى الميكروبية. وفي المقابل وبالمقارنة، تبين للباحثين أن إغلاق النوافذ ومنع التهوية الطبيعية تسبب في ارتفاع معدلات خطورة انتشار العدوى الميكروبية بمقدار أربعة أضعاف!

وقال الباحثون إن نتائج الدراسة تثبت أن عنابر تنويم المرضى هذه التي بعضها تم تشييده قبل عشرات السنين، هي أفضل، وأن الذين اعتمدوا تشييدها بهذه الطريقة كانوا أعلم بما هو مناسب بطريقة أفضل لعلاج المرضى.

والواقع أن ثمة العديد من المواضيع المتعلقة ببناء المستشفى وطريقة استخدام مرافقه، من النواحي الهندسية والتشغيلية، التي تفتقر إلى أي أدلة علمية أو دراسات علمية تثبت جدوى أو فائدة تبنيها وتطبيقها. ونوافذ غرف المرضى أحد المواضيع التي تبدو مسلمة لدى الكثيرين. كما أن هناك مواضيع أخرى تتعلق بزيارة المريض وعدد الزائرين وتحديد أوقات الزيارة ونوعية الأطعمة المقدمة للمرضى وغيرها من الخدمات، التي تفتقر إلى دراسات علمية للمقارنة بين السلوكيات المختلفة للمستشفيات المختلفة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]