هل تفجير العراق مطلوب داخليا ودوليا؟

TT

سؤال كبير يثير الحيرة، ويضع المزيد من علامات التعجب. فإذا لم يكن تفجير العراق مطلوبا إقليميا ودوليا، فلماذا السكوت تجاه ما يحدث من مشكلات تعدت الخلافات السياسية، لتؤسس لحالة من حالات رفض التعايش السلمي تقود إلى الحرب؟ وهذا ينطبق على أطراف خارجية عدة، تصل إلى الولايات المتحدة، التي لها اتفاقية أمنية مع العراق، الذي لا يزال خاضعا لمراقبة نسبية من قبل الأمم المتحدة. وينطبق التساؤل أو «الاتهام» على أطراف داخلية، بعضها يتحرك عن وعي وقصد وفق مخطط معد، وبعضها يتحرك بعيدا عن أي شكل من أشكال تقدير الموقف الأمني والعسكري والسياسي.

ولنبدأ من داخل العراق، فقد بقي تدخل المراجع الدينية - من كل الاتجاهات - متواضعا جدا، لم يرتقِ إلى مستوى المسؤولية، التي تتطلب الرأي الواضح والتدخل على طريق الحسم، وإعادة التهدئة وفق أسس سليمة وجذرية، لا سيما أن شرائح واسعة لا تزال تستمع إلى ما تقوله المرجعيات الدينية وتتأثر به، وكثيرا ما تلتزم بما تقول وتفتي وتنصح، إلى درجة تؤثر على قدرة السياسيين على التحرك الفعال من داخل السلطة أو خارجها، مما يمكن أن يكون عنصر مساعدة، بدل إحاطة الموقف بضبابية أو بتصريحات ذات طابع عمومي لا يدعو إلى الالتزام في تحديد أوجه التعامل مع المواقف السائدة من قبل عموم الناس والبسطاء منهم خاصة.

أما السياسيون فتبدو مواقفهم مثيرة للاستغراب، فمنهم من وصل إلى مرحلة العجز، ومنهم من يتخذ موقفا متفرجا أقرب إلى الرغبة في ضرب خصومه أو أنداده السياسيين بعضهم ببعض، على أمل تحسين وضعه السياسي، للحصول على ما يمكنه من مقاعد السلطة والحكم على حساب مستقبل العراق ومصير الأبرياء الواقعين في ورطة الخلافات والتوجهات والأهداف السياسية. وهؤلاء موجودون على كل الأطراف، ويتحملون وزر ما يحدث إلى درجة الشراكة في عدم النهوض بمسؤولياتهم، كأعضاء في البرلمان أو مسؤولين في الكتل السياسية والمؤسسات الرسمية في المستويات العليا. فهذا النمط من السياسيين لا يمكن وصفه بالانتهازية وحدها، لأنها لا تغطي حالة التقصير في سلوكهم وتصرفاتهم البعيدة عن الشعور بالمسؤولية.

وأما البعد الخارجي فهو الأخطر عمليا وواقعا، وليس على أساس الاتهام الجاهز من قبل الأنظمة بالعبارات المعتادة ضمن فقه المؤامرة ومصطلحاتها المعتادة. وهذا ينطبق على أدوار إقليمية لأكثر من دولة، ودولية معنية بها الولايات المتحدة تحديدا. ففي مرات عدة تدخلت الإدارة الأميركية في كثير من المواقف، حتى بين الكتلة السياسية الواحدة، وفرضت رأيها بطرق مختلفة لضمان ما تراه من رؤى بعضها كان كارثيا على مستقبل العراق ومصالحه. ومن أبشع صور التدخل ما نسب إلى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من مشروع لتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، كأنه قادم من كوكب آخر، لا يدرك مخاطر مشروع مزعوم ترك انطباعات سطحية خارج نطاق الوعي لدى بعض السياسيين. وهو يبدو شكلا من أشكال التدخل الذي يمكن إدراجه ضمن ما يصطلح عليه بالمؤامرات الكبرى. فأين بايدن وغيره من المسؤولين الأميركيين مما يحدث في العراق من مؤشرات كارثة انفجار كبير تفوق آثارها كل ما حدث في العراق سابقا؟ وما جدوى ومبرر وجود آلاف الموظفين في سفارة أميركا لدى العراق؟

ولم تحدث وساطة عربية أو تركية أو أميركية، أو حتى إيرانية، بين السياسيين! وإذا ما حدث انفجار كبير فسيكون حاله أكثر تعقيدا. وإذا كانت الدول الإقليمية تمتلك قدرة التأثير في وساطة أظنها مقبولة لدى معظم الأطراف عندما تتمتع بالحيادية، فإن الإدارة الأميركية تمتلك من الإغراءات وعناصر التأثير والإقناع ما يمكن أن يساعد في وقف التدهور، وإعادة بناء العلاقات والأسس السياسية الداخلية. أما اتخاذ موقف المتفرج فيلقي على واشنطن مسؤوليات كبيرة بحكم صلتها بالحدث بأكمله، وليس لديها الآن ما يشغلها سياسيا، خصوصا بعد تضاؤل تهديدات زعيم كوريا الشمالية، وتعايشها مع الحرب السورية بسياسة أقرب ما تكون إلى النأي بالنفس، إذا ما قورنت بمواقفها السابقة في أماكن عدة من العالم.

العراق في دوامة مخاطر احتمالاتها مفتوحة، وإذا لم يقوَ على البقاء وإعادة التماسك، وهو قادر إذا ما توافرت الإرادة الداخلية، فستمتد الكارثة إلى ملايين البشر، ولن تستطيع الدول الأخرى البقاء على خط المتفرجين.