الحرب الأهلية لن تقع في لبنان.. ولكن!

TT

«احتفل» اللبنانيون، منذ أيام، بمرور 37 عاما على اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم. والأحرى أن يقال إنهم أقاموا «حفلة تأبين» لها.. إذ تعاقب ممثلو الأحزاب والطوائف والهيئات العامة على التنديد والتحذير منها، وحسنا فعلوا! ولكن إذا لم يكن شبح التقاتل بين الطوائف والأحزاب مطبقا، اليوم، على أجواء لبنان، فإنه ليس بعيدا عنها. وإذا كانت «الأسباب ذاتها تولد النتائج ذاتها» - كما يقول المثل - فإن ما يحاصر لبنان من مخاطر وتحديات في شهر أبريل (نيسان) عام 2013، لا يقل خطورة عن تلك التي فجرت عام 1975، بل ويدعو إلى القلق الشديد. فهناك حرب أهلية، وأي حرب، مندلعة ومتمادية في الجوار السوري ينقسم اللبنانيون حولها وترتبط استراتيجية أحزابهم وقياداتهم السياسية بمآلها. وهناك «مقاومة مسلحة» (حزب الله)، شبيهة إلى حد ما بالمقاومة الفلسطينية عام 1975، تنتظر إسرائيل فرصة دولية أو إقليمية سانحة لتنقض عليها وعلى لبنان. صحيح أن الحرب الأهلية تتطلب فريقين مسلحين، بينما الأحزاب الطائفية والعقائدية - باستثناء حزب الله - ليست على سلاحها كما كانت عشية اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، ولكن المجابهة السياسية - الطائفية في لبنان ما زالت قائمة بأشكال ومجالات عدة. وما زالت الانقسامات الوطنية حادة. وما زالت براميل البارود جاهزة في انتظار من يفجرها.

لم يكن اللبنانيون عام 1975 يتصورون أنفسهم أو يتخيلون تحول وطنهم الجميل الصغير ومجتمعهم المنفتح على العالم والمتعايشة طوائفه وطبقاته وأحزابه فيه بسلام وشبه ازدهار ونمو مطرد، إلى متاريس يطلقون من ورائها النار على بعضهم البعض طيلة خمسة عشر عاما. ولكن ذلك حدث بالرغم عنهم وأن مشاركتهم لاعتقاد كل فريق منهم بأنه «على حق» وبأنه يدافع عن نفسه وجماعته وقضيته ووطنه. وتلك هي عوامل ومظاهر كل الحروب الأهلية في التاريخ. لقد فوجئ اللبنانيون باندلاع تلك الحرب وبأنفسهم يقعون في نيرانها. أما اليوم فإن خوفهم من اندلاع حرب أهلية جديدة يشكل هاجسهم الأول، وقد يشكل رادعا قويا يحول دون اندلاعها.

إن لبنان، رغم استعادته لوحدته وأمنه إلى حد ما، ورغم وجود قوات دولية على حدوده مع إسرائيل، وحياده الرسمي النسبي إزاء الحرب الأهلية في سوريا، وقناعة أبنائه بتجنب حل النزاعات السياسية عن طريق السلاح، لا يزال مصيره معلقا إلى حد كبير بما ستؤول إليه الحرب في سوريا، وبما سيقدم عليه حزب الله - وإيران من ورائه - في حال انتصار الثورة في سوريا أو فشلها. وأيضا بما ستنتهي إليه أزمة التخصيب النووي الإيراني. ويضاف إلى ذلك، مؤخرا، الحرب الباردة المتجددة بين موسكو وواشنطن. ولا ننسى صعود المد الإسلامي في الشرق الأوسط والعالم العربي وموقف الدول الكبرى منه. ولا الحرب الباردة - الساخنة المذهبية ويشكل لبنان بحكم تكوينه البشري الطائفي أحد أهم مسارحها.

إن العالم في هذا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تغير كثيرا عما كان عليه في سبعينات القرن العشرين المنصرم. كذلك الشرق الأوسط والعالم العربي.. فالعراق بات شبه مقسم وحكمه أقرب توجها إلى إيران منه إلى الأسرة العربية. والثقل الاقتصادي والمالي العربي انتقل إلى الخليج. من كان يتصور دور وسائل الإعلام والتواصل الحديثة في إسقاط أنظمة الحكم في عدة دول عربية؟! من كان يتصور انبعاث النزاع السني - الشيعي بعد أربعة عشر قرنا وتقدمه سياسيا أو استراتيجيا، عند بعض دول المنطقة، على النزاع العربي - الإسرائيلي وعلى التنمية الاقتصادية والديمقراطية؟!

إن اللبنانيين يرفضون اللجوء إلى السلاح كأداة لحل المشاكل السياسية أو للوصول إلى الحكم، ويؤيدهم المجتمع الدولي ومعظم الدول العربية في هذا الموقف. ولكن المشكلة هي في الأحزاب والزعامات السياسية الطائفية القديمة أو المنبثقة عن الحرب الأهلية والمدعومة من أنظمة أجنبية وعربية وجدت فيهم أدوات لتصفية حساباتها في لبنان وعلى حساب اللبنانيين.. فمن تراه سيتغلب على الآخر: الشعب اللبناني الرافض للحروب الأهلية والمتمسك بحريته واستقلاله وديمقراطيته ونأيه عن النزاعات الدولية والإقليمية، أم بعض قياداته السياسية التي تجد نفسها، شاءت أم أبت، رهينة هذه النزاعات؟

الحرب الأهلية قد لا تقع في لبنان ولكن سيفها سيبقى معلقا فوق رؤوس اللبنانيين طويلا.

ولن يرتاح اللبنانيون ويطمئنوا ويصبحوا قادرين على تقرير المصير الذي يريدونه إلا يوم يتخلصون من الطائفية السياسية ومن الزعامات والأحزاب التي تستغلها وتتيح للقوى الخارجية أن تتلاعب بها. أما كيف ومتى.. فمسألة أخرى.