جزى المعروف عشر كفوف

TT

التقط بعض المتطرفين الجملة التي أوردها (ابن عساكر) في كتابه: (تاريخ دمشق) والتي جاء فيها:

«لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)» - انتهى.

هذه الجملة بعث بها لي في رسالة متشنجة أحد الأشخاص مؤكدا أنني من هواة (أكل لحوم العلماء)، ومعاذ الله أن أكون كذلك، وحتى لو أن الظروف حدتني على ذلك، فمن باب أولى أن آكل لحوما هي بالتأكيد أشهى من اللحوم المسمومة. وهنا لا بد أن أوضح أن هناك من العلماء الأجلاء ما أضعهم فوق رأسي، ولحومهم الزكية تأبى على الأكل.

ثم إنني والله لا أدري سبب هذه الغضبة المضرية التي جعلت ذلك الشخص (يتضرّس) عليّ إلى درجة أنها وصلت إلى (النهش).

وحتى لو فرضنا جدلا أن «لحوم العلماء مسمومة»، فهل لحوم غيرهم من أمثالي مباحة وقابلة للأكل؟!.. عموما، لا أذكر أن لديّ أي مشكلة مع العلماء الأخيار مثلما ذكرت، مشكلتي هي فقط مع بعض الصبيان المتنطعين.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد أن أؤكد أنني إنسان (شبه نباتي)، وإذا كان ولا بد أن آكل لحوما فإنني أفضل نوعا من سمك (البياض)، وهو على فكرة من سلالة (عرائس البحر).

فيا أيها الرجل الغاضب اطمئن، فلحمك المسموم في الحفظ والصون، فسيئ الحظ هو من يتورط بأكله، فساعتها (يا ويله ويا سواد ليله)، هذا إذا لم يذهب للمستشفى ويجرون له غسيل معدة.

* * *

للأسف أظهر استطلاع رأي أن نحو ثلاثة أرباع الفرنسيين يحملون صورة سلبية عن الإسلام، فيما تحظى الديانات الأخرى بصورة إيجابية لدى غالبية منهم.

تصوروا مثلا أن (87%) من الفرنسيين يأخذون صورة جيدة عن البوذيه، فيما تتدنى هذه النسبة عن الإسلام وتصل فقط إلى (26%)، ولو بحثنا عن العلة، فسنجد أنها بسبب قلة من الجهلة والمتطرفين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا وتصرفات عمياء، وحاشا لله أن يكون ذلك من تعاليم هذا الدين السماوي العظيم.

* * *

كنت عند أحدهم وأخذ يشكو لي بمرارة وحرقة من مواقف وتصرفات ابنه العاق اللئيم - على حد تعبيره - ثم غير جلسته وتوجه للقبلة ورفع كفوفه للسماء وأخذ يدعو على ابنه دعوات تتزلزل منها الجبال، وكلما جأر هو بالصوت، أخذت أنا أردد خلفه قائلا: آمين، ولما كررتها ثلاث أو أربع مرات، توقف عن الدعاء والتفت إليّ قائلا بغضب: لماذا أنت تردد ورائي (آمين) هل طلبتها منك؟! قلت له: لا، ولكنك تؤكد أن ولدك عاق ولئيم وتمنيت أن يستجيب الله لدعائك ويخسف به الأرض لكي ترتاح منه، ولكي أرضيك.

ردّ عليّ قائلا: اسمع هو ولدي وأنا حر فيه، وأنت إيش دخلك، ولن أسمح لك أن تتلفظ عليه بأي كلمة، فاهم ولاّ لأ؟! نكست رأسي وقلت له: فاهم - انتهى.

وإنني إلى الآن متعجب من غضب هذا الأب مني.. أهذا جزائي عندما طلبت من الله أن يتقبل دعاءه؟! صحيح (خيرا تفعل شرا تلقى)، فعلا (جزى المعروف عشر كفوف).

وإنني من الآن فصاعدا، من المشكوك به أردد خلف أي إنسان يدعو، وأقول: (آمين)، خلاص تبت.

[email protected]