عبد الله بن عبد العزيز.. 8 أعوام في الحكم

TT

توحدت المملكة العربية السعودية قبل ثمانين عاما إبان عهد مؤسسها الملك عبد العزيز، الذي أمضى ثلاثين عاما في جهد متصل لتجميع أطرافها قبل أن يعلن توحيدها في دولة متحدة، ثم حكم بعد ذلك أكثر من عقدين من الزمن قبل أن يوافيه الأجل عام 1953م، فبهذا تكون مدة حكمه ثلاثة وخمسين عاما.

ثم تعاقب أبناؤه من بعده على عرش السعودية، فتولى ابنه الثاني سعود الحكم مدة أحد عشر عاما بعد أن كان الابن الأول «تركي» قد توفي في أثناء شبابه، ومثلها (أحد عشر عاما) حكم خليفته فيصل الابن الثالث من أبناء الملك المؤسس، وجاء من بعد ذلك الابن الخامس خالد بعد أن تنازل له شقيقه الأكبر محمد، فحكم سبع سنوات (1975 - 1982م)، ثم تولى الابن التاسع فهد الحكم ممضيا فيه ثلاثة وعشرين عاما (1982 - 2005م).

ثم ارتقى الملك عبد الله بن عبد العزيز سدة الحكم، وهو في التسلسل العمري لسلالة الملك عبد العزيز الابن الثاني عشر من الذكور، فأمضى فيه حتى الآن ثمانية أعوام هجرية (منذ منتصف عام 1426هـ وهو التقويم المعمول به في السعودية)، وكان في الأعوام الأخيرة من عهد سلفه الملك فهد يمسك بمقاليد الحكم بشكل فعلي لم يرغب كولي للعهد إشهاره.

تزامن عهد الملك عبد الله مع جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي استثمرها بشكل جيد وانعكست إيجابيا على فترته وعلى خريطة القبول الشعبي لعهده ولشخصه، فلقد بدأ بزيارة المناطق الإدارية الثلاث عشرة، وأطلق الوعود لتنمية اقتصادية أكثر توازنا، لدرجة أنه قرر في إحدى خطبه بأن بعض المناطق لم تكن تحظى بما يكفي من برامج التنمية، وأتبع وعوده تلك بوضع برنامج فعلي من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة، التي استفادت من ارتفاع المداخيل من عائدات الصادرات النفطية.

وكان من أبرز ما أنجز في عهده إطلاق مشروع جامعة - وأحيانا جامعتين - في كل منطقة من المناطق الإدارية الثلاث عشرة ومحافظاتها الرئيسة، فارتفع عدد الجامعات في سنوات وجيزة من ثماني جامعات إلى ما يفوق خمسا وعشرين، كان من بينها جامعة للعلوم والتقنية عرفت باسمه، ومدينة جامعية كبرى للبنات تحمل اسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الفيصل، وصاحب ذلك إطلاق برنامج طموح للبعثات الخارجية، قارب مائة وخمسين ألف منحة دراسية لمختلف التخصصات في معظم دول العالم.

كما تبنى عهده تأسيس عدد من المدن الاقتصادية في بعض المناطق، وإن ظلت طموحات بعضها دون المأمول، بالغ من اقترحها من المنظرين الاقتصاديين في مردوداتها التنموية المتفائلة.

ويحسب لنهجه كثير من الأفكار التطويرية التي أمسك العصا معها من النصف بين المرونة والمحافظة على صعيد الانفتاح الاجتماعي، كان من أبرزها إفساح المزيد من مجالات العمل للمرأة، ومنحها الفرصة للإسهام في صنع القرار، ملتزما لأول مرة بفتح عضوية مجلس الشورى لها بنسبة لا تقل عن خُمس أعضاء المجلس، وبتعيين عدد من الكفاءات النسائية الوطنية في مناصب قيادية في داخل المملكة وخارجها.

وارتفع في عهده هامش حرية التعبير في وسائل الإعلام، منه ما اتسق مع نهج حكمه مما صار يتسع صدر المسؤولين له، ومنه ما فرضه تنامي تقنية إعلام جديد لا يخضع للرقابة، محفزا الجميع على التقيد بالشفافية والانفتاح وفتح الأبواب لخدمة المواطنين.

وارتبط نمو الوظيفة الاجتماعية والثقافية لجهاز الحرس الوطني بشخص الملك عبد الله، من خلال رئاسته له مع مطلع الستينات الميلادية في أواخر عهد الملك سعود، وبخاصة بعد أن تبنى مشروع نادي الفروسية في عهد الملك فيصل، ومهرجان الجنادرية في عهد الملك خالد، المهرجان الشهير الذي اندمجت فيه فروسية الخيل وسباق الهجن (الجمال) مع نشاط ثقافي وتراثي يتجدد سنويا.

يشبه البعض من السعوديين عهد الملك عبد الله بعهد أخيه الملك خالد، ليس من حيث البساطة الودودة في الشخصيتين فحسب، ولكن من حيث توظيف نمو الدخل الوطني من عائدات البترول - الذي صادف عهديهما - من أجل توفير قدر أكبر من الرخاء، واستثماره في مصارف التنمية المباشرة ورفع دخل المواطن، ولقد أسهمت مفاتيح الشخصية المتمثلة في سمة العفوية في تفكير الملك عبد الله في أن ينهج نهجا منفردا ومبادرا باتجاه التسامح وتخفيف التوترات السياسية العالقة مع بعض دول الجوار، اليمن وإيران مثلا، وفي بعض المصالحات الإقليمية، كما أحب فيه المواطن طباع الحميمية والطيبة التي جعلته قريبا منهم، وأكثر تجاوبا وتلمسا لاحتياجاتهم المعيشية المؤرقة للبعض منهم، دون أن ينتقص ذلك من مواقف الحزم وبخاصة عند تقاطع ذلك مع الشأن الأمني.

ومن أبرز ما اهتم به عهده، الاتجاه إلى تنمية وسائط الحوار الوطني بإنشاء مركز ينظم ندوات على مستوى الوطن وندوات تحضيرية في المناطق، يتم فيها تدارس الهموم الداخلية، ويشارك فيها مختلف شرائح المجتمع، كما اهتم كثيرا بفكرة الحوار بين الأديان والحضارات، وتبنى إنشاء مركز عالمي مقره مدينة فيينا عاصمة النمسا لتحقيق هذا الهدف، وحضر قبل ذلك عددا من المؤتمرات الدولية التي مهدت لهذا الغرض.

أمور كثيرة، على جدول أعمال الملك عبد الله وفي ذهنه، منها ما أنجز محققا أهدافه، ومنها ما زرعت بذرته وفي الطريق لأن يؤتي ثماره، ويمكن - بإيجاز - أن يعد الإصلاح والانفتاح والحرب المعلنة على الفساد وإشاعة الحوار ونشر التعليم الجامعي أفقيا ومناصرة قضية المرأة، من أبرز ركائز عهده.

* إعلامي وباحث سعودي