في استراتيجية حزب الله

TT

قامت استراتيجية حزب الله في لبنان في الظاهر العلني على فكرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وكانت الظروف اللبنانية والإقليمية والدولية تدعم قيام تلك الاستراتيجية، حيث هناك أجزاء من لبنان تحتلها إسرائيل، وثمة قوى إقليمية ودولية تعارض الاحتلال، وتدعم إخراج الإسرائيليين من الأراضي اللبنانية في موقف منسجم مع إرادة المجتمع الدولي، ومن أصول تلك المعطيات حصل حزب الله على دعم وتأييد متعدد الأوجه لاستراتيجيته في مواجهة الاحتلال وسياسة إسرائيل في المنطقة.. غير أن الظروف المحيطة باستراتيجية حزب الله، تغيرت بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000، مما جعل استراتيجية حزب الله، تتحول في اتجاهات أخرى، وهذا لم يكن ممكنا من دون حدث مهم يفسر ويبرر التحول في استراتيجية حزب الله، وكانت الخطوة الحاسمة في حرب عام 2006 ونتائجها المدمرة على لبنان واللبنانيين، التي خلق أساسها حزب الله، ثم طورت إسرائيل تفاعلاتها، وجاءت الظروف الإقليمية والدولية لتضع بصماتها عليها، فتفرض بنتائجها اتفاقا يجعل حزب الله خارج أي معركة مباشرة مع الإسرائيليين.

ورغم الغرق اللفظي الذي مارسه حزب الله في اعتبار تلك الحرب نصرا، بل «نصرا إلهيا»، فإن اللبنانيين شعروا أن تلك الحرب هي آخر حروب حزب الله المباشرة مع الإسرائيليين، في ظل وقائع فرضتها تدخلات القوى الإقليمية والدولية في رسم نتائج الحرب على الأرض، من أبرزها ذهاب الجيش اللبناني إلى الجنوب في أول خطوة من نوعها عبر عقود الحرب اللبنانية، وتمت إقامة ساتر من القوات الدولية في الجنوب، بالتزامن مع ميل الأغلبية اللبنانية لتجنب حرب جديدة مع إسرائيل بموازين القوى القائمة، والتوجه لاتخاذ السياسة والدبلوماسية مسارا في السعي لاستعادة ما تبقى من أرض لبنان بيد المحتلين الإسرائيليين.

إن نهاية استراتيجية حزب الله في الصراع مع إسرائيل، جعلت الحزب يبدل ميدان اهتمامه فصار لبنان ساحته، فركز اهتمامه بالداخل اللبناني وانخرط في السياسة اليومية، وأخذ يبني استراتيجية جديدة أساسها السيطرة على الداخل اللبناني مستغلا معطيات كرسها في المرحلة الماضية، أبرزها وزنه في التركيبة الطائفية، وقوته المالية التي يوفرها الدعم الإيراني، وتنظيمه العسكري - المدني – الأمني الذي بنى عبره مرتكزات قوية في معظم المناطق اللبنانية، والسمعة التي اكتسبها في مرحلة المواجهة مع المحتل الإسرائيلي، ولم تكن ثمة اعتراضات جدية على هذا التحول في استراتيجية حزب الله، بل كان كثير من أوساط وقوى محلية وخارجية يميلون إلى هذا التحول.

المشكلة الأساسية المحيطة بالتحول في استراتيجية حزب الله، أنها لم تتضمن موقعا ووظيفة يخصان سلاح حزب الله.. ففي الداخل اللبناني، لم يكن هناك أطراف مسلحة غير الحزب، ولم يعد هناك مجابهات مع إسرائيليين بعد أن جرى فصلهم عن الحزب بحواجز لبنانية ودولية، مما جعل الحزب يلجأ إلى سلوكيات إعلامية دعاوية وأخرى عملية إجرائية للحفاظ على دور لسلاحه، وفي هذا الإطار كان الاستمرار اللفظي - الإعلامي في العداء لإسرائيل، وتأكيد حضور قوة الحزب والتهديد بها في الصراع مع خصومه في لبنان، إضافة إلى التطلع إلى دور خارجي لسلاح حزب الله بإعلانه دعم إيران في أي مواجهات تدخلها مع الأعداء، ثم دعمه السياسي والعملي للنظام في سوريا في وجه ثورة السوريين الذين وصفهم زعيم حزب الله بأنهم «جماعات مسلحة». ولولا ما يقال عن روابط سياسية وآيديولوجية بين الحزب وحليفيه في طهران ودمشق، لأمكن القول إن الحزب تحول إلى حامل بندقية للإيجار، لأن علاقاته مع الطرفين لا تخلو من مصلحية مباشرة أبرز تعبيراتها مال نظيف من طهران، ودعم قوي وخدمات استراتيجية من دمشق.

خارج تلك الصورة في وضعية حزب الله وعلاقاته وآفاق استخدامه لقوته، ثمة أسئلة جدية حول السبب الذي يجعل حزب الله، يتذكر سكان قرى سورية أصولهم لبنانية في وقت يتجاهل القرى اللبنانية التي يحتلها الإسرائيليون منذ قيام إسرائيل، والأراضي التي يقول إن الإسرائيليين يحتلونها من أواسط السبعينات في مزارع شبعا والغجر، ولماذا يرسل الحزب قواته للقتال ضد السوريين، بينما لم يرسل قواته إلى العراق للدفاع عن المراقد الشيعية في السنوات العشر الماضية، وهي تتعرض لخطر الدمار، بل لماذا لم يرسل الحزب قواته للقتال ضد الجماعات المسلحة من «فتح الإسلام» في الحرب الطويلة القاسية التي خاضها الجيش اللبناني في شمال لبنان.

ثمة أسئلة كثيرة يمكن طرحها قبل وبعد الحديث الأخير لزعيم حزب الله، حول تدخل قوات وأسلحة الحزب في الأزمة السورية ووقوفه إلى جانب النظام ضد الشعب والذي وصف فيه موقفه وموقف حزبه بأنه «إنساني وأخلاقي»، وأن أصدقاء النظام - وبينهم حزب الله - لن يسمحوا بإسقاط النظام، الذي يواجه الشعب منذ أكثر من عامين غارقا في قتل السوريين وتدمير قدراتهم وبلدهم.. هل ثمة بؤس أكثر من ذلك؟!