حان الوقت لإطلاق العنان لشبكات الأمان الاجتماعي في العالم العربي

TT

منذ انطلاقها، تلعب شبكات الأمان الاجتماعي دورا بالغ الأهمية في الجهود الرامية إلى الحد من الفقر. وتعمل هذه الشبكات على تقديم المساعدات الحكومية على شكل نقدي أو عيني، قد تشكل ركيزة أساسية في مساعدة الفئات الأكثر ضعفا على مواجهة تأثيرات الصدمات المفاجئة، مثل الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الاقتصادية.

وفي حال تصميمها بشكل جيد، تساهم هذه الشبكات في تمكين المواطنين من تحسين ظروف معيشتهم، وذلك من خلال منافع تسمح للأشخاص بالمحافظة على صحة جيدة والاستعداد لانتهاز الفرص الجديدة. وعلى القدر نفسه من الأهمية، تعمل شبكات الأمان الاجتماعي على كسر «حلقة الفقر»، وذلك من خلال ضمان حصول الأطفال، بغض النظر عن الظروف التي رافقت ولادتهم، على فرصة لاكتساب المهارات الضرورية للنمو والتطور. وفي ظل غياب شبكات الأمان الاجتماعي، فإن من المرجح أن تفقد العائلات الفقيرة غير القادرة بشكل مستمر على تلبية احتياجاتها الأساسية، الأمل في إمكانية الخروج من براثن الفقر.

مؤخرا، قمت بترؤس مجموعة تابعة للبنك الدولي اجرت مراجعة حثيثة لأداء شبكات الأمان الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تبين للمجموعة أنه رغم تخصيص مبالغ مالية كبيرة لهذه الشبكات، أي ما يعادل 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالمتوسط، فإن هذه الشبكات لا تساهم بشكل كبير في مساعدة الأشخاص على الخروج من براثن الفقر.

ويشكل الدعم العام للأسعار الحصة الكبرى من إنفاق المنطقة على شبكات الأمان، الذي يذهب معظمه، أي ما يوازي 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى دعم أسعار الوقود.

وبينما يؤدي وجود شبكة أمان اجتماعي تعتمد على دعم الأسعار، إلى ضمان الوصول السهل إلى الغذاء والوقود، فإنه يعد نظاما باهظا لا يحقق شيئا ملموسا في مساعدة الأشخاص على تطوير مهاراتهم.

في الأردن، على سبيل المثال، وقبل اعتماد الإصلاحات على دعم أسعار الوقود في نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت الشريحة الأكثر ثراء تحصل على 50 في المائة من منافع دعم أسعار الوقود.

نتيجة الرغبة الشعبية الجارفة للتغيير في المنطقة، قررت المجموعة مواصلة العمل. وعملنا مع مؤسسة «غالوب» لإجراء مسح لمواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في محاولة للتعرف بشكل دقيق على توقعاتهم بشأن شبكات الأمان الاجتماعي في بلدانهم. وأظهرت نتائج المسح أن الغالبية العظمى من المستجيبين يحملون آراء تتفق، إلى حد كبير، مع آراء الخبراء حول كيفية عمل شبكات الأمان الاجتماعي بشكل فعال. ومن خلال عينة تمثيلية لأشخاص بالغين في كل من مصر، والأردن، ولبنان، وتونس، أشار 80 في المائة من المستجيبين إلى أنهم يعتقدون أن الحكومات تتحمل المسؤولية الرئيسة في رعاية الفقراء. كما أشارت الغالبية العظمى من المستجيبين إلى أن الأهلية للحصول على المساعدات الاجتماعية يجب أن تعتمد على مستوى الفقر وليس على أساس ما هو متبع في الغالب من خلال الاعتماد على فئات اجتماعية واسعة مثل «الأرامل» أو «المعاقين»، بغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية لهذه الفئات.

إن شبكات الأمان الاجتماعي، فضلا عن كونها باهظة التكلفة، مع حصول الأغنياء على الحصة الكبرى من المنافع مقارنة بالفقراء، لا تنسجم بتاتا مع تطلعات الرأي العام فيما يخص كيفية تقديم المساعدات ونوعيتها.

ورغم الإقرار بوجود مشكلة منذ زمن طويل، فإن النظرة العامة كانت تشير إلى غياب برنامج إصلاحي يلقى قبول الطبقة الفقيرة أو المتوسطة، لكن مما لا شك فيه أن الزمن تغير والفرصة متاحة اليوم للتغيير؛ إذ يثبت التاريخ أن الفترات الانتقالية لطالما أدت إلى إحداث تحولات في شبكات الأمان الاجتماعي.

وقد يشكل إصلاح أنظمة شبكات الأمان الاجتماعي مكونا رئيسيا للجهود الإقليمية الرامية لحماية وتعزيز سبل العيش لدى المواطنين. وعليه، ولا سيما في ظل الأوقات الاقتصادية الصعبة، فإنه من المهم على وجه خاص إنفاق الأموال العامة في المجالات التي تحقق بالغ الأثر. وفي هذا السياق، يمكن إعادة تصميم أنظمة الرعاية من أجل مواجهة التحديات المستمرة في المنطقة، مثل سوء التغذية، والفقر المزمن، وتعزيز مرونة عدد كبير من السكان يعيشون حاليا على شفير خط الفقر. ويعاني أكثر من 25 في المائة من أفقر الأطفال في مصر والمغرب، سوء التغذية. وعندما يصل هؤلاء الأطفال إلى سن 16 - 18 عاما، فمن المرجح أن تزداد احتمالية تسربهم من المدرسة مقارنة مع مواصلة تعليمهم. وتساعد شبكة الأمان الاجتماعي المصمم بشكل جيد والتي تتسم بالفعالية، في كسر حلقة الفقر.

في الواقع، لا توجد صيغة بسيطة أو معادلة واحدة يمكن اتباعها من أجل القيام بإصلاح شبكات الأمان الاجتماعي، حيث إن ذلك يشكل على الدوام تحديا. لكننا نأمل في أن يسهم تحليلنا، إضافة إلى المسح، في المساعدة على إطلاق حوار بشأن الإمكانيات غير المستغلة لشبكات الأمان الاجتماعي.

توجد بعض الإشارات الإيجابية في أرجاء المنطقة، وذلك بالنظر إلى السير في تنفيذ الكثير من الإصلاحات؛ ففي المغرب على سبيل المثال، تم تنفيذ برنامج تحصل بموجبه الأسر المؤهلة التي لديها أطفال بسن المدرسة على منافع نقدية بشرط إبقاء أطفالها في المدرسة. وقد أدى البرنامج إلى حدوث انخفاض ملموس في معدل التسرب المدرسي.

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ساهمت الإصلاحات على المستوى الإداري في إيصال كمية أكبر من الموارد إلى الفقراء، كما أثبت النظام كفاءته في تقديم المزيد من المنافع إلى الفئات الأكثر ضعفا خلال أوقات الأزمات؛ بغية التخفيف من التبعات الأكثر ضررا. وبالتالي، تم وضع أسس شبكة أمان اجتماعي فعالة من خلال إنشاء سجل موحد يحدد بشكل واضح الفئات السكانية المحتاجة، بالإضافة إلى آلية الصرف الفعالة للوصول إلى هذه الفئة. كما جرت بعض المحاولات لإعادة التوازن فيما يتعلق بالتمويل والأولويات داخل أنظمة الرعاية الاجتماعية نفسها. وقد استطاعت دول على اختلاف أوضاعها، مثل البرازيل وإندونيسيا، القيام بإصلاحات جذرية في أنظمة الدعم لديها، وتشير هذه التجارب إلى الأهمية الكبيرة لكسب الثقة الشعبية في قدرة الحكومة على تقديم تعويضات عادلة وموثوقة، ووجود شبكة أمان اجتماعي فعالة من أجل تنفيذ برنامج ناجح للتغيير.

الإصلاح ممكن، وقد حان الوقت للبدء ببناء الأنظمة والتوصل إلى إجماع بغية دعم إحداث التغيير. وتشكل المرحلة الانتقالية الحالية التي تمر بها دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصة غير مسبوقة من أجل تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي يجب عدم تفويتها.

* المؤلفة الرئيسة للتقرير الرئيسي المقبل حول منطقة الشرق الأوسط الصادر عن البنك الدولي، بعنوان «الاشتمال والأقلمة: التوجهات المستقبلية لشبكات الأمان الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».