مؤتمر مالي.. ووعود

TT

في مجال المؤتمرات والندوات والمنتديات المختلفة دائما ما يكون للشأن المالي والاقتصادي الحضور اللافت والمؤثر جدا. وعبر السنين كان لمؤتمرات «يوروموني» طعم خاص من ناحية قوة المتحدثين وأهمية الحضور وعمق المواضيع والعناوين المطروحة.

ولسنوات متواصلة عقدت «يوروموني» مؤتمرا سنويا لها في الرياض، عاصمة الاقتصاد العربي الأقوى والأكبر، وعادة ما يكون الحضور «تقليديا»؛ وزراء قطاع المال وبعض الشركات الحكومية الكبرى ومجموعة من المؤسسات المالية والخبراء الاقتصاديين. وهذه السنة لم يكن هناك اختلاف كبير في ذلك الأمر؛ إذ حضر المؤتمر وزراء المالية والإسكان ومحافظ الهيئة العامة للاستثمار ورئيس هيئة السوق المالية وعدد كبير من مسؤولي المصارف والشركات المالية المساهمة، وبعض الضيوف من خارج السعودية. وقدم وزير المالية عرضا دقيقا لتوجه الدولة في أهم السياسات المالية ودور القطاع الخاص المنتظرة فرصة الاستثمار المتاحة والمتوقعة. وكذلك قام وزير الإسكان بعرض التحديات الهائلة، وبالتالي الفرص المتاحة لطفرة الإسكان المتوقعة وآثارها المنتظرة على مختلف القطاعات. وعرض مسؤول الهيئة العامة للاستثمار توجهات إدارية والمجالات المحددة التي ينوي التركيز عليها والقطاعات التي ستكون نصب الاهتمام، وبالتالي التسهيلات لها ستكون ذات أولوية. المفاجأة اللافتة كانت في حديث محمد آل الشيخ عن هيئة السوق المالية، بدأ الرجل واثقا ومطمئنا من دون لغة تشنج ولا أسلوب دفاعي مبالغ فيه، ولكنه وهو القانوني القادم من خلفية محاماة ناجحة، كان حريصا على انتقاء الحروف والكلمات في ردوده على الأسئلة المطروحة عليه، وكان يتعاطى مع المسائل بحرفية ومهنية عالية توضح أن الهيئة مقدمة على مرحلة مهمة سيكون عنوانها سيادة القانون لأجل بناء ثقة مستدامة بمهنية وموضوعية، وهو عنوان طموح ومطلوب، ولكنه واضح أن القائم على الطموح رجل قادر على ذلك. وكان الناس يتابعون أيضا بشغف واهتمام حديث المسؤول عن شركة «سابك»، وهي الشركة الأهم في سوق الأسهم السعودية وفي قطاع الصناعات عموما، وهي اليوم من أهم عشر شركات بتروكيماوية في العالم. كان الرجل يفند وضع الطاقة المتغير عالميا، وتغير وضع الولايات المتحدة وتحولها التدريجي إلى حالة الاكتفاء الذاتي من طاقتها النفطية، بل دخولها السوق الدولية كمصدر للطاقة، وبالتالي تحولها أيضا إلى منتج كبير للمنتجات البتروكيماوية، وهي مسألة سيكون لها أكبر الأثر على أسواق «سابك» نفسها بشكل أو بآخر.

المؤسسات المصرفية كانت تحاول تقديم نفسها على أنها تراعي التغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية واستغلال التطور والإصلاح الحاصل في السوق السعودية. ولكن ما يحدث في السوق السعودية من نمو يؤكد أن احتياج السوق السعودية اليوم يفوق قدرات البنوك التجارية أو الاستثمارية على تقديم الطلب المصاحب لذلك، هذا مع الأخذ في الاعتبار التوجهات الإصلاحية والتصحيحية التي يقوم بها محافظ مؤسسة النقد فهد المبارك، والمؤتمر كان بحاجة ماسة لأن يسمع منه وهو المسؤول عن «المركزي» في البلاد، وذلك بدلا من غيره من «المنظرين».

التمويل الإسكاني هو التحدي الكبير القادم الذي سيواجه الاقتصاد السعودي، وهو بحاجة لقطاعات مالية جديدة ومستقلة لن يتمكن من تلبيتها المصارف التجارية والاستثمارية الحالية، ولكنها حتما فرصة بحاجة لأن تخاطب ويتم تأسيس بنوك إسكانية متخصصة لها مثلما حدث في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال. كان المؤتمر فرصة جميلة للاستماع لما يدور في أذهان أهم اللاعبين المؤثرين في أكبر اقتصادات المنطقة بعيدا عن الاجتماعات المغلقة، وتبقى متابعة تفاصيل ما تم الوعد به، وهنا التحدي الأكبر.