استكشاف تراث المملكة العربية السعودية

TT

ظلت آثار المملكة العربية السعودية غير معروفة للعامة لفترات طويلة من الزمن، ولكن حدث تغير إيجابي في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إنشاء الهيئة العامة للآثار والسياحة، حيث بدأ اهتمام غير عادي بالآثار والمواقع التراثية واستطاعت الهيئة العامة للآثار أن تضع آثار المملكة على الخريطة العالمية بل وأقيمت معارض أثرية على مستوى تقني وفني عالمي ليس فقط لآثار العصر الإسلامي وإنما لمجمل التراث الأثري بالمملكة ، هذه المعارض لم تقم فقط داخل حدود المملكة وإنما خرجت إلى العالمية لتعرض الآثار السعودية في أميركا ودول أوروبا المختلفة.. الأمر الذي أحدث تغيرا كبيرا في حركة السياحة إلى السعودية بل وإعادة استكشافها مرة أخرى وتغير نظرة كثير من شعوب الدول المختلفة تجاه المملكة العربية السعودية والذي تعرض تراثها الأثري سواء الإسلامي أو ما قبل الإسلام إلى عمليات تجريف واسعة النطاق خاصة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على يد الأجانب المستشرقين ومن بعدهم على يد هواة جامعي الآثار.

وقد كنت في غاية السعادة عندما قامت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بإقامة معرض يسلط الضوء على المواقع الأثرية بالمملكة عن طريق الصور والجرافيك وقد تم نشر كتاب بسيط يلقي الضوء على بعض المواقع الأثرية ومن أهمها بالطبع موقع الدرعية والتي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي وتقع قرب مدينة الرياض وهي مقسمة إلى ثلاثة أحياء أهمها الطريق المعروف بقليقة ومدينة المنخفضة. وقد كان هناك اهتمام خاص بالحفائر الأثرية بالدرعية وقامت جامعة الرياض بأعمال مهمة في هذا الموقع الفريد وقد تم نشر نتائج الحفائر. والمعروف أن الدرعية كانت عاصمة المملكة منذ عام 1744 وحتى 1818 وبعد أن هجرها أهلها إلى الرياض ظلت مبانيها الأثرية وشوارعها بحالتها الأولى، حيث بنيت عمارتها على الطريقة النجدية وباستخدام الطوب اللبن وهنا لا بد أن نسجل للهيئة العامة للآثار والسياحة كلمة شكر على المجهود الكبير الذي بذل لتجهيز هذا الموقع الأثري لكي يسجل ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي وهو ما حدث في عام 2010..

وهناك مواقع أثرية أخرى مهمة مثل الحجر والمعروفة لدى العامة باسم «مدائن صالح» ويوجد بها أكثر من ألف قبر أثري تم نحتها في تلال من الحجر الرملي ويعلو واجهات المقابر زخارف منحوتة في الحجر الرملي وقد سجلت «مدائن صالح» ضمن قائمة التراث العالمي في عام 2008 هذا بالإضافة إلى مواقع أثرية أخرى مثل فهد الذهب وأم الدمار وقريع العلا القديمة وديدان وثول، وكذلك سد السحلقي وغيرها من المواقع الأثرية المهمة..

وفي زيارتي الأخيرة لمدينة جدة ذهبت إلى المنطقة المعروفة باسم البلد وتحتوي على نحو سبعمائة بيت يعود تاريخها من ثلاثمائة إلى أربعمائة سنة ويتم حاليا بذل مجهودات ضخمة للقيام بأعمال الترميم والتسجيل الأثري وذلك لتحضير ملفها ليتم ضمها إلى قائمة التراث العالمي.

وهنا أرى ضرورة نقل التجربة المصرية لترميم ما يعرف بآثار القاهرة الفاطمية أو قاهرة المعز حيث تم تأهيل شارع المعز وترميم ثلاثة وثلاثين أثرا، بالإضافة إلى تحويل أحد الأسبلة إلى متحف للنسيج وأرى أن هناك كثيرا من الأعمال التي قمنا بها في القاهرة المعزية يمكن نقلها وتوظيفها في موقع البلد بالمملكة لكي يتم تحويلها إلى موقع جذب سياحي وخلق فرص عمل جديدة للشباب للعمل في مجال الآثار والتراث أو مجال السياحة... إنها دعوة لاستكشاف آثار السعودية.