أخطاء التشخيص.. أضرار لا تحصى

TT

التشخيص الخاطئ للأمراض (wrong diagnoses)، أو الغفلة عن تشخيص المرض بالأصل (Missed diagnoses)، هما من بين أكثر أنواع «سوء الممارسة» (malpractice) في العمل الطبي تأثيرا، من ناحية الإرهاق بالتكاليف المالية المتعلقة بالتعويضات الطبية وما يضاف إليها من التبعات والعواقب الصحية والاجتماعية الأخرى المتعلقة بتدهور أو تهديد سلامة حياة المرضى، إذ إن الهدر المادي الناجم عن عدم القيام بالتشخيص الصحيح لأمراض المرضى لا يقتصر على إطالة بقاء المريض في المستشفى ولا إجراء الكثير من الفحوصات التي لا داعي لها، ولا معالجة المريض بوسائل علاجية لا جدوى منها، فحسب، بل وأيضا هناك التبعات المالية لطلبات التعويض التي يطلبها المرضى جزاء ما تم اقترافه بحقهم من أخطاء طبية.

الباحثون من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز قاموا بمراجعة التكاليف المادية لمختلف أسباب طلبات التعويض التي تقدم بها المرضى ومحاموهم بالولايات المتحدة خلال الـ25 سنة الماضية، من عام 1986 إلى 2010. ووفق ما تم نشره في عدد 22 أبريل (نيسان) الماضي من «المجلة البريطانية الطبية للجودة والسلامة» BMJ Quality & Safety، بلغت القيمة المادية لطلبات التعويض تلك نحو 40 مليار دولار، تمثل 350 ألف ادعاء من المرضى.

وكان للأخطاء في تشخيص الأمراض Diagnosis - related claims نصيب الأسد في تلك التكاليف بنسبة تتجاوز 35 في المائة. وهو ما علق عليه الدكتور ديفيد نيومان، الباحث الرئيس في الدراسة وطبيب الأعصاب، بالقول إن: «أخطاء تشخيص الأمراض هي من أكثر أسباب ادعاءات التعويض من قبل المرضى، وهي الأكثر تكلفة مادية في التعويضات المترتبة على تلك الادعاءات». واستطرد: «علينا أن نولي هذا الأمر اهتماما خاصا لأن إهمال الاهتمام به يتسبب لنا بتبعات مادية مرهقة».

ونبه الباحثون إلى أنهم تتبعوا في دراستهم، مراجعة الدعاوى القضائية التي قام المرضى برفعها، وليس مجمل الأخطاء الطبية التي يحق للمرضى الشكوى منها. ولاحظ الباحثون أن أخطاء تشخيص الأمراض كانت السبب الرئيس للوفيات والإعاقات التي تمت الشكوى منها وطلب التعويضات من أجلها. كما لاحظوا أن غالبية أخطاء تشخيص الأمر كانت تقع في العيادات الخارجية، أي ليس للمرضى المنومين في المستشفى، ولكنهم كذلك لاحظوا أن عواقب أخطاء تشخيص المرضى المنومين في المستشفيات تكون ذات عواقب وخيمة جدا وربما تكون قاتلة.

وأشار الباحثون إلى أن متوسط عدد الادعاءات القضائية التي يرفعها المرضى ضد أخطاء التشخيص المتسببة بوفيات أو إعاقات أو أضرار صحية «دائمة ويمكن تفاديها» preventable permanent damage يبلغ سنويا 160 ألف قضية.

ولذا نبه الباحثون إلى ضرورة المبادرة بالاهتمام بأخطاء تشخيص الأمراض أسوة بالاهتمام الطبي الحالي بحالات عدوى الميكروبات في المستشفيات بين المرضى وحالات الأخطاء الجراحية.

والواقع أن الأخطاء يمكن أن تقع في مواقع مختلفة من عملية تشخيص المرض، بمعنى إما في تقرير تشخيص خاطئ لمرض ما أو عدم تشخيص إصابة المريض بالمرض الذي يتغلغل في جسمه أو تأخير معرفة التشخيص الصحيح، وفي كل الأحوال تلك تزداد معاناة المريض وتتهدد سلامة حياته وتهدر كميات أكبر من الموارد المالية وغير المالية للمستشفيات، والنتيجة الأهم هي أن المريض القادم إلى المستشفى لا ينال ما يستحقه من علاج.

ومن هذه الأخطاء ما يكون قاتلا في الحقيقة، مثل أن يشكو مريض من الصداع، ويكتفي الطبيب بوصف تناوله قرصين من الأسبرين، بينما ما يحصل في دماغ المريض هو نزيف دموي أو جلطة وعائية في الدماغ أو ورم سرطاني وربما غير ذلك. والوسيلة الصحيحة لتفادي كل ذلك هو الاستماع إلى شكوى المريض والاستفسار منه وفحصه بعناية وإجراء الفحوصات اللازمة تبعا لكل ذلك.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]