قوة القيادي في حسن تواصله

TT

لم أتردد في قبول دعوة ملتقى التواصل والقيادة الأول الذي عقد بالدمام السعودية لأكون أحد المتحدثين الرئيسيين الثلاثة عن أهمية التواصل للقياديين، وذلك لسبب بسيط وهو أهمية الموضوع وإيماني المطلق بأن أكثر مشكلات وأخطاء القياديين في المجتمع تكمن في سوء التواصل. وربما هذا ما دفع وزارة العمل الأميركية إلى إعداد دراسة تقيس فيها النسب التي يمضيها كبار المسؤولين في وسائل التواصل الأربعة فكانت النتيجة بأنهم يقضون 55 من أوقاتهم في الاستماع و23 في التحدث و13.3 في القراءة و8.4 في الكتابة.

وهي نسبة منطقية فكلما ارتفع منصب القيادي قلت حاجته للغوص في التفاصيل، وارتفعت حاجته للاستماع لمن حوله ممن يزودونه بالتقارير المكتوبة والمسموعة، وهو ما ذكرته للجمهور السعودي الرائع الذي شارك بورشة العمل. وهناك قضية مهمة لا يعيها إلا القيادي الفعال وهي ضرورة التفريق بين الرأي والحقيقة. فرأي من يتواصلون معه قد لا يهم أحيانا أما الحقيقة فمسألة جوهرية في التواصل مع الآخرين، لأن الكثير من قراراتنا كقياديين يستند إلى سلسلة من الحقائق.

ولذا يتوقع من القيادي ألا يأخذ ما يتناهى إلى أسماعه من كلام أو حقائق تحديدا على عواهنه بل يسعى جاهدا للتأكد من فهمها بالسؤال المباشر أو بإعادة ما سمع قبل أن يقدم على قراره لا سيما إذا كان مصيريا. ويجب ألا ننسى أن من المرؤوسين من يقدمون معلومات أو عبارات مبهمة سواء عن قصد أو من غير قصد.

ومن القضايا المهمة التي تهدد القياديين عدم منحهم الأمان ولا الثقة لمنتقديهم وكأن لسان حالهم يقول أسمعني فقط ما أريد سماعه! فيبدأ هذا المسؤول الرفيع أو ذاك الوزير أو رئيس الوزراء أو الحاكم بالتخبط لأنه لا يريد سماع الرأي الآخر الذي ربما يعكس حقيقة الأمور التي يراها آخرون من زوايا متعدد ونراها نحن من زاوية واحدة ضيقة. وهذا ما يبرر شعور المرؤوسين بالسعادة حينما يرون قياديا يرجع عن قراره ليتبنى رأيهم الوجيه فيتحمسون لمزيد من التواصل البناء معه لأنه صار يثق بهم.

وكلنا يعلم أن أعظم الزعماء الغربيين المتحضرين في عصرنا يتخذون قراراتهم بناء على تواصلهم مع تلك المجموعة المهنية التي تحيط بهم، كلٌ في تخصصه، وهو ما يفعله مثلا الرئيس الأميركي قبل أن يتخذ أي قرار لأنه «يعطي الخبز لخبازه» كما نقول في لهجتنا.

كما يتوقع من القيادي أن يتواصل مع الآخرين بعقلية منفتحة open minded لأنه متى ما أصبح القائد عنيدا أو منحازا أو خصما أفسد ذلك قوة قراراته وأدخل نفسه وأتباعه في دوامة من القرارات المتخبطة.

[email protected]