عراقيا.. «الطرق المسدودة» تؤدي إلى الحل!

TT

رحمة من الله أن يجد كثير من السياسيين العراقيين الجدد أنفسهم في طرق مسدودة، خصوصا أولئك الذين يتقمصون حركات صدام حسين بغير جدارة؛ فهؤلاء لا يشعرون بالمخاض العسير الذي يعانيه المستضعفون والأبرياء في بلد ابتلي بمن ينقل حالات الاختلاف العادية إلى مواقف متشنجة تتسبب في قتل الأبرياء، وينعمون بأموال طائلة، بعضها من خارج الحدود، وبعضها الآخر مما لا يفترض أن يحصلوا عليه من داخل العراق. وعندما يصل هؤلاء إلى طرق مسدودة تنفرج الآفاق وتعود العلاقات الوطنية إلى حالة أفضل بغيابهم.

ليس انحيازا مهنيا، بل من باب الإنصاف، فإن القادة العسكريين في الحالات المطابقة للعقائد في الجيوش التاريخية، هم الفئة الوحيدة تقريبا في بلاد الشرق التي تتحمل مسؤولية الإبداع والاجتهاد في التخطيط وسير العمليات في الحروب. فمن دون الإبداع قد لا يمكن تحقيق الفوز، وفي حالة الفشل يتعرض مصير القادة المجتهدين إلى خطر يصل إلى تهديد حياتهم. أما سياسيو هذا الزمان، خصوصا من يتجه صوب تجاوز الثوابت الوطنية، فإنهم يتملصون من الفشل على أساس أنه اجتهد، فإن أصاب يسجل له، وإن فشل فقد حاول! وهذه واحدة من كوارث وأسباب تخبط الشعوب التي يغلف سياسيوها أهدافهم بغلاف ديني، لإغواء «البسطاء» وخداعهم. ليس السياسيون الذين أشغلوا مواقع في دولة ما بعد 2003 هم وحدهم الممكن أن يصلوا إلى طرق مسدودة، بل أيضا الشباب من فئة عشرينات وثلاثينات العمر، الذين تزجهم العواطف في مواقف مصيرية، بسبب النقص في الخبرة السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية، التي يشكل تراكمها أهم عناصر السياقات التقليدية للنجاح. وفشل هذين الصنفين في مواقع الاحتكاك يعتبر حالة عادية وصحية، تساعد في بلورة المواقف البناءة والواقعية في مراحل الانتقال إلى الديمقراطية، حتى لو تسببت في ضياع غير ضروري للوقت وعرقلة للتقدم المطلوب. في عراق اليوم، وصلت رغبات بعض سياسيي محافظات شمال بغداد وغربها في إعادة الهيمنة على الحكم إلى طريق مسدود لا يمكن مواصلته، ووصلت رغبات بعض سياسيي محافظات جنوب بغداد في فرض الهيمنة المطلقة على الحكم إلى طريق مسدود، لا يمكن ضمان الأمن والاستقرار والتقدم بمواصلة التحرك عليه، ووصل الكرد إلى قناعة بأن تحقيق الهدف الاستراتيجي لا يزال الطريق إليه غير ممهد تماما. وهكذا تزداد أفكار دولة المواطنة المدنية قوة وتناميا، ولو بوتيرة ضعيفة من دون ما يفترض أن تكون.

الحراك الشعبي في محافظات شمال بغداد وغربها منذ أربعة أشهر، أفرز توجهات متضادة في الرؤى ضمن المناطق المتجانسة وفق تصنيفات المكونات «المبتدعة»؛ ففريق يدعو إلى الأقاليم أو حتى إلى خيار التقسيم، وفريق من المدن نفسها يهدد ويتوعد بلغة شن الحرب على الفريق الأول. وهكذا ترتفع المؤشرات وتنخفض بما يزيد من فرص التفاهم والانسجام وتقدير المخاطر من قبل الجميع؛ لأن العراق وعاء واحد مفتوح تمتزج فيه كل محتوياته، وأي ثغرة تحدث فيه تسبب ضررا للجميع بلا استثناء؛ لذلك سيضطر الأضداد في السياسة والأهداف إلى الالتقاء على مرسى الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي الموروث كما هو منذ 1400 عام، فلم يطرأ شيء فكري وعقائدي جديد على العراق، عدا ضرر السياسة والسياسيين والأجندات الخارجية، المستندة إلى نقص في معرفة الواقع العراقي؛ فالدول العريقة التي تتوافر لها خبرات قيادية تراكمية هي «وحدها» القادرة على فهم الوضع العراقي.

واحدة من مشكلات العراقيين ولع بعض سياسييهم بالارتباطات الخارجية، رغم أن العراق هو الأول بحزمة مقومات الغنى من ناحية الطاقة والمياه والقدرة البشرية وإرث المؤسسات، مما يفترض أن يجعل الحصانة أقوى حتى في ظل الضعف التشريعي. ولا بديل عن التعاون والتفاهم وسيادة لغة العدل والمساواة، وهي التي ستسود في المحصلة، ويفترض أن يتعلم عرب العراق من الكرد كيف حذفوا من قاموسهم المصطلحات الاستفزازية ذات الطابع الديني والقومي، فاحتفظوا بمرونة التغيير عند الحاجة، من دون إحداث جروح في مشاعر خصومهم. وكم هو مفيد لو عمل كبار الجنرالات السابقين على توضيح وجهات نظرهم في تحديد مخاطر الانزلاق إلى الصدام، ومن المؤكد أن تترك الانتخابات المقبلة أثرا كبيرا على الوضع العام.