سنة إضافية للدم.. أم للحل؟

TT

لم يكن جون كيري في حاجة إلى الوشوشة والحركات الاستعراضية خلال مؤتمره الصحافي مع سيرغي لافروف، على الأقل لأن فلاديمير بوتين وضعه في الانتظار ثلاث ساعات قبل أن يستقبله، ربما ليؤكد أن روسيا بدأت تطل أخيرا ومن البوابة السورية، على استعادة حقبة «الاستقطاب الثنائي»!

أهم من ذلك أن كيري بدا في النهاية كمن يستسلم للمنطق الروسي في تفسير «إعلان جنيف»، وتحديدا لجهة موقع الرئيس بشار الأسد في مرحلة الانتقال السياسي، وهي النقطة التي أعاقت تطبيق الاتفاق، فقد كان واضحا منذ يونيو (حزيران) الماضي أن الخلاف يقوم على موعد خروج الأسد من السلطة وهل يتم قبل تشكيل الحكومة الانتقالية أم بعد أن ينهي ولايته.

منذ ذلك الحين حتى اليوم تضافرت مجموعة من العناصر التي باتت الآن في نظر الأميركيين والروس، تساعد على تجاوز عقدة خروج الأسد، بمعنى أن ولايته تنتهي في منتصف سنة 2014 وأننا الآن في الشهر الخامس من سنة 2013 وتبقى سنة حتى ذلك الموعد، وهكذا تقول تقارير دبلوماسية عليا وصلت إلى بيروت إن واشنطن وموسكو بحثتا عشية لقاءات باراك أوباما مع عدد من المسؤولين من المنطقة النظرية التي تقول:

حتى لو اتفقنا اليوم على الانتقال السياسي فإن الترتيبات الضرورية لحصول هذا الأمر ستستغرق أكثر من 12 شهرا، فلماذا لا نتفاهم على مخرج يلائم الجميع ويقوم على معادلة «تضمن» في شكل قاطع وملزم خروج بشار الأسد وبدء عملية انتقال سياسي على قاعدة أن لا يسقط في الميدان كما يؤكد مسار القتال الآن، لكنه لن يبقى في السلطة كما يفرض منطق الحلول، بمعنى وقف النار والتفاهم على تركه ينهي ولايته مع ضمان أن لا يخوض الانتخابات في السنة المقبلة.

ولأن الصورة الآن توحي بنوع من الاستسلام الأميركي للمنطق الروسي سارع أوباما إلى التوضيح: «إن موقف الولايات المتحدة لم يتغير لجهة فقدان الأسد شرعيته نحن مع ضمان خروجه وبدء عملية انتقالية»، ولكن قياسا بحجم المأساة وبالتدخل الإيراني السافر من يضمن أن تكون سنة الحل وخروج الأسد لا سنة إضافية للدم والمآسي؟!

توضيح أوباما يمكن عطفه على قول لافروف إن موسكو ترفض وضع شروط مسبقة للحوار مثل ضرورة تنحي الأسد لكنها غير مهتمة بمصير «أشخاص معينين» وكذلك يمكن عطفه على قول كيري إن إعلان جنيف يجب أن لا يكون ورقة بسيطة ودبلوماسية ولا معنى لها بل يجب أن يمهد الطريق إلى سوريا جديدة لا مكان فيها للمجازر، أمام كل هذا يبدو وكأن هناك ملامح صفقة أولية بين البلدين تنتظر موعدين مهمين؛ الأول هو المؤتمر الدولي الذي اقترحه كيري ولافروف لتطوير «إعلان جنيف» الذي سيعقد آخر الشهر، والثاني هو اللقاء الذي سيحصل بين أوباما وبوتين في لندن الشهر المقبل، والذي قد يدعو إلى وضع خريطة طريق لتنفيذ الاتفاق!

ولكن هل يكفي أن تتفق واشنطن وموسكو على إحياء «إعلان جنيف» ليبدأ الحل، وخصوصا إذا تذكرنا الحجم الأسطوري للقتل والتدمير والمذابح الجماعية المتنقلة التي ينفذها النظام مدعوما من حلفائه الإيرانيين وحزب الله، وهل يستطيع كيري أن يلبي طلب لافروف فيقنع المعارضة بالجلوس إلى الطاولة مع الأسد فيما يشبه وضع القاتل والقتيل وجها لوجه؟ ليس بالضرورة، فها هو الائتلاف يعلن الترحيب بكل الجهود الدولية التي تدعو إلى حل سلمي يحقق تطلعات الشعب السوري وآماله لكن شرط أن يبدأ برحيل الأسد وأركان نظامه، بما يعني استمرار الخلاف على موعد خروج الأسد.

طبعا تستطيع أميركا أن تمارس ضغوطا على المعارضة بتجفيف منابع تسليحها ودعمها، وتستطيع روسيا أن تمارس ضغطا على الأسد ترجمة للقول بأنها غير معنية بمصير «أشخاص معينين» لكن كل ذلك ليس أكثر من «خطوة أولى مهمة» كما يقول الأخضر الإبراهيمي، الذي يرى أن من المهم أن تحصل تعبئة في المنطقة بمجملها لدعم هذه العملية.

يمكن الافتراض أن رياح التعبئة بدأت بعد لقاء كيري ولافروف والدليل الهبوط الإيراني المفاجئ في عمان حيث وصل علي أكبر صالحي حاملا رسالة من محمود أحمدي نجاد إلى الملك عبد الله الثاني ومستطلعا ما يجري في الكواليس من نده ناصر جودة الخبير في النبض الأميركي الذي قال كلاما مفاجئا: «يجب أن نكون جميعا جزءا من الحل في هذا الإطار وهناك جهود تبذل واجتماعات مكثفة تجري»، بما يوحي أن موضوع الانتقال السياسي في سوريا قد يحتاج إلى سنة وهي المدة المتبقية للأسد.