بحبك موت!!

TT

اللحظة الحرجة ليست في شائعة الموت، ولكن في تكذيبها، عندما تتحدث تليفونيا إلى المتوفى، أقصد الذي لاحقته الشائعة، ولا تدري ماذا تقول له: «إزي الصحة؟ إزي الحال؟ أخبارك إيه؟ الجو عامل إيه عندكو؟ وحشتنا، الآخرة أحسن ولا الدنيا».. وفي العادة لست أنت صاحب المكالمة الأولى، عشرات من التليفونات قد سبقتك، وينتهي الأمر بأن يزيح عنك المتوفى الحرج ويقول لك أنا حي أرزق.

آخر من لاحقته تلك الشائعة حسن حسني.. كان الفنان الكبير قد عاش في الأسابيع الأخيرة حالة شديدة القسوة من الحزن عندما فقد ابنته وأخته في أيام قلائل. يبدو أنها باتت ظاهرة في العامين الأخيرين، وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، حيث تعددت هذه الشائعات وليس لدي تفسير سياسي، ولكن ربما لأن في العادة الإعلام صار مهموما بمتابعة المظاهرات والإضرابات في دول الربيع وغيرها، فإن البعض يتصور أنه من الممكن أن يرحل فنان ولا يدري الإعلام عنه شيئا، ولهذا يسارع الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى تبادل الخبر.

بعض الفنانين قرأوا خبر رحيلهم في العام الواحد مرتين، مثل عادل إمام ورجاء الجداوي، بينما صباح ثلاث مرات، والقائمة بها الكثير من الأسماء ومن مختلف الأعمار: نادية لطفي وعمرو دياب وتامر حسني ومحمد سعد وشادية وفاتن وغيرهم، لا يخلو الأمر أحيانا رغم بشاعته من طرافة، مثلا قال مروجو شائعة محمد سعد إنه كان يجري عملية زرع شعر فلاقى حتفه بسبب خصلة زائدة، والمعروف أن «سعد» سعيد بزيادة المساحات الصحراوية في فروه رأسه، وهو لا يرتدي الباروكة إلا على سبيل إثارة الضحك، وآخر أفلامه «تتح» شاهد على ذلك.

في العادة يعتبرها الفنان إشاعة مغرضة أطلقها حاقدون، أو ربما منافسون، رغم أنني لا أراها كذلك، شائعة الموت لا تعبر بالضرورة عن حقد أسود في نفوس من رددوها؛ لأن الحب أيضا من الممكن أن يساهم في إطلاقها وذيوعها. الناس عندما تحب إنسانا تدعو له بطول العمر، وهذا يعني أن المحرك الأساسي لهذا الدعاء هو خوفهم عليه من الموت، فهم في أعماقهم يخشون من الحقيقة الوحيدة والمؤكدة في نهاية المشوار، ولهذا بمجرد انطلاق الشائعة ومن فرط حبهم يساهمون في انتشارها، الكل يعبر عن حزنه ويتحدث لصديقه ليواسيه وهو في الحقيقة يواسي نفسه، من الممكن أن ترى الوجه الآخر لشائعة الموت، وهو فرط الحب، حتى ولو كان حبا مرضيا. استبعد نظرية المؤامرة لأن تكذيبها لا يستغرق سوى دقائق أو ثواني في لقاء مع إحدى القنوات وينتشر بعدها الخبر عبر الـ«يوتيوب»، ويكتسب الفنان بعدها نقاط حب لدى جمهوره، إذا كان غائبا عن الحياة الفنية تصبح الفرصة مهيأة لإثبات الحضور، وإذا كان لديهم غضب من أعماله الفنية فإنهم يسارعون بفتح صفحة جديدة معه، بل قد يرون ملامح إيجابية في الأفلام والأغنيات التي رفضوها قبل سريان الشائعة.

الغيرة أو حتى الحقد لا يمكن أن يصبحا بالضرورة دافعا لهذا النوع من الشائعات، وإذا كان مثلا تامر أو عمرو أو سعد أو عادل أو حسن حسني في الساحة وهناك من يثير ضدهم الضغائن، فهل فاتن وشادية وصباح في منافسة مع أحد؟! «بحبك موت» هو أحد أشهر التعبيرات عن الحب في مصر، و«تقبرني» تعبير آخر بالشامي، أي أننا نخلط في ثقافتنا الشعبية الراسخة بين عمق الحب وبشاعة الموت. في القانون جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن مدى الحياة وهي ضرب أفضى إلى موت، وأرى أن شائعة الموت من الممكن توصيفها بأنها حب أفضى إلى موت، إلا أن مرتكبها لن يستطيع القانون ملاحقته!