الحلاق الروسي

TT

الحلاقون معروفون بالثرثرة، لذلك يجب أن تتوقع مجموعة محاضرات قصيرة، حتى لو كان الشعر الزائد الذي يجب قصه، يحتاج إلى إضافات لا إلى تشحيل. لذلك عندما أدخل إلى دكان حلاق ألزم الصمت وأتحاشى المباشرة بأي محادثة. نسبة النجاح والنجاة ضئيلة.

لكن هذا الحلاق الروسي في نيويورك لم يفتتح الحديث بالسؤال من أين أنا، بل إذا ما كنت قد حضرت فيلم «آنا كارنينا» في دار السينما المجاورة. لم ينتظر الإجابة، قال: إن هذا أجمل أعمال تولستوي لأنه الأكثر صدقا. ولم ينتظر تعليقي. دفع رأسي إلى الأمام، وقال: إن «آنا كارنينا» روايته المفضلة، لكن تولستوي ليس أديبه المفضل. قلت راميا الكليشيه الغبية: «طبعا، لا بد أنه الكسندر بوشكين». دفع رأسي أكثر إلى أسفل، وقال: «منذ متى لم تقص شعرك؟» ثم أضاف فورا: «لا. ليس بوشكين على الإطلاق. أنا أقرأ دوستويفسكي، خصوصا هنا، في نيويورك». قلت، ما العلاقة؟ قال، الناس. جميع أبطاله يعيشون هنا، وأكثرهم يمر بهذا الدكان. أعرفهم من لحظة دخولهم.

انتابني شيء من الخوف والذهول. هل هذا حلاق في الشارع 58 أم أستاذ أدب مقارن؟ ولم أخفه الأمر، قلت له، هذا كثير بالنسبة إلى حلاق، حتى لو كان روسيا. قال هذه هي المهنة الوحيدة التي استطعت ممارستها هنا. قبل ذلك، أجل، كنت أستاذا للرواية الروسية في إحدى ثانويات روسيا. طرحت سؤالا غبيا آخر: موسكو؟ قال: «لا. لا. سيبيريا. لماذا جميع الناس يعتقدون أنه ليس في روسيا سوى موسكو».

اعتذرت. قلت له إن العامة أمثالي يرددون الكلمات «المفاتيح» عندما يقابلون شخصا من جنسية معينة: بوشكين. بولشوي. موسكو. والآن نهذي باسم سيرغي لافروف. وضحك الأستاذ الحلاَّق. وقال: إن ثرثرة الحلاقين تقتل الضجر. وغالبا ما يكتسب الحلاق، إضافة إلى الأجر، معلومة جديدة. وأحيانا يكون الزبون جزءا من الكرسي. لا يثيره حديث ولا يرد على سؤال ولا يضحك لنكتة.

سألته، من أي نوع أنا؟ قال من النوع المألوف، الذي عندما يعرف أنني روسي يبدأ بكرّ الكليشيهات: بوشكين، بولشوي، موسكو، لكنه نوع مؤدب وغير مؤذ. قلت ما هو النوع المؤذي. قال هو النوع الذي يسرد بقية الكلمات الروسية التي يعرفها. شكرا. قطار. مطار. عدم المؤاخذة. أو يضيف إلى بوشكين، غوركي وباسترناك. وقال: لا أدري لماذا يبدو الإنسان مهرجا دائما على هذا الكرسي. ما أن يجلس حتى يبدو مثل تلميذ روضة جاء يسمِّع ما حفظه عن روسيا: بوشكين. بوتين. موسكو. وقال ضاحكا: أنت أضفت سيرغي لافروف. هذا اجتهاد يستحق التنويه.