كلام عاقل

TT

يتحدث المثل الانجليزي في وصف إحدى طرق التعليم بأنه التعلم بالطريقة الصعبة، ويبدو هذه هي الرسالة التي أراد توجيهها وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي في حديثه إلى مثقفين قبل أيام عندما استبعد تدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية مستخدما تعبير انه لا يجب على أحد أن يحل المشاكل بالجيش.

والعبارة التي نقلت عن وزير الدفاع في حديثه الى إعلاميين ومثقفين وفنانين بأن القوات المسلحة لا تفكر في النزول إلى الشارع، والجيش ليس حلا، والوقوف أمام صناديق الاقتراع لساعات أفضل من تدمير البلاد لها مغزاه، خاصة ان المعروف انه في جولات الانتخاب السابقة التي جرت خلال فترة حكم المجلس العسكري وكان يجري فيها منح عطلات رسمية بهدف اتاحة الفرصة لاكبر عدد للذهاب الى لجان الاقتراع، لجأ كثيرون، ويقال إنهم بالملايين، الى استغلال العطلة في الذهاب الى المصايف بدلا من الانتخاب.

هذا الحديث هو أكثر كلام عاقل قيل في خضم توترات سياسية وخصومات وأحداث بعضها مفهوم وبعضها الآخر يستعصي على المنطق، والحديث عن ان الوقوف أمام صناديق الاقتراع لساعات افضل من تدمير البلاد يحمل دعوة تشبه التعلم بالطريقة الصعبة التي قد لا يكون هناك مفر منها.

الواضح ان هذا الكلام قيل على خلفية تزايد الدعوات في الاشهر الأخيرة الى تدخل القوات المسلحة للامساك بالسلطة مع تصاعد الخصومة السياسية وانسداد افق الحوار او اللقاء على تسويات او حلول وسط بين الإخوان وبقية القوى السياسية على طريق يمكن به عبور المرحلة الانتقالية الصعبة التي انهكت اقتصاد البلاد واستنزفت مواردها.

قد يكون للقوى السياسية المختلفة مع الاخوان ونمط السلطة الحالي في مصر مبرراتها للجوء او المطالبات بعودة الجيش مرة اخرى للإمساك بالسلطة مع ما تراه من تعنت في الاستجابة لمطالبها السياسية او عملية اقصاء المعارضين ووضع الموالين في بعض المراكز والمواقع التي تضمن استمرار سيطرة حزب الإخوان، لكن المشكلة انه لم يفكر احد في الخطوة التالية او ماذا بعد.

وهناك تجربة سابقة خلال فترة حكم المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية الصعبة التي شهدت الكثير من التوترات مع المجلس وشعارات برحيل العسكر ومواجهات تخللها عنف وضعت المؤسسة العسكرية في حرج يبدو انها لا تريد ان يتكرر، وخاصة أنه من المفترض أن تكون هذه المؤسسة للجميع، وبحكم طبع السياسة فمن الصعب عندما تكون طرفا حاكما أن ترضي الجميع.

ولا ينكر أحد أن هناك حالة عدم رضا تبدو واضحة في المجتمع المصري عن طريقة سير الأمور بعد انتخابات الرئاسة الاخيرة، وأن هناك قطاعا كبيرا من المجتمع يرفض الإجراءات التي اتخذت ويتمسك بالدولة المدنية ومؤسساتها، لكن أيضا لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك انتخابات جرت ونتائج ظهرت بناء على فرز صناديق الاقتراع ترسخ شرعية معينة اذا أريد تغييرها فيجب أن تكون بنفس طريقة صناديق الاقتراع وإلا دخلت البلاد في مسار لا يعرف أحد الى أين يقود.

بعبارة أخرى فانه لا مجال أمام القوى السياسية وقطاعات المجتمع الرافضة للمسيرة الحالية سوى الطريق الصعب وهو السياسة التي تؤدي الى حشد الاصوات في صناديق الاقتراع لصالحها، وقد تكون هذه القوى معها اغلبية صامتة كبيرة ولكن يتعين عليها أن تقنع هذه الغالبية بأن تمارس إرادتها بالعملية الانتخابية وهكذا تتقدم البلاد، والممارسة السياسية الصحيحة عندما يجري ترشيدها ستقود بشكل أو آخر الى مراجعات واقعية من الجميع بما في ذلك الإخوان والتيارات المتحالفة معهم لوصول إلى تفاهمات وأرضيات مشتركة كما تفعل الاحزاب في كل العالم اعتمادا على الوزن الحقيقي لها على الأرض.

ويتعين على الجميع مراجعة السياسات والأخطاء؛ فقد كانت هناك الكثير من الانتقادات لأساليب المليونيات التي تبنتها بعض القوى السياسية، والتي كانت تحمل معها صوتا صاخبا وضجيجا إعلاميا بينما كانت القوى الأخرى في القرى والنجوع بين الناخبين تحشد الأصوات، كما كانت هناك انتقادات لعدم القدرة على الاتفاق في جبهة سياسية واحدة خلال العمليات الانتخابية التي جرت.