حبكة لرواية سينمائية وخطاب مسرحي

TT

جاءوا به إلى مقر الكونغرس ليكشف لهم أخطاء وزارة الخارجية، فلم يروا سوى قصاص بارع.

كان المتوقع أن يكون جورج هيكس، الدبلوماسي الثاني في ليبيا ليلة مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، أبرز شهود النائب داريل عيسى، الذي يقود التحقيق الخاص بتعامل إدارة أوباما في الهجوم على السفارة الدبلوماسية في بنغازي.

لكن على الرغم من وعد عيسى بأن تكون نتائج جلسة الاستماع مدمرة لهيلاري كلينتون، رفض هيكس إلقاء اللائمة على وزيرة الخارجية السابقة، وجعل النواب من كلا الحزبين مصابين بحالة من الاستغراق وهو يروي أحداث تلك الليلة المرعبة، ليكشف عن حبكة تصلح لرواية سينمائية وخطاب مسرحي ومشاعر صادقة.

تحدث عن مشاهدة التلفزيون في مقر إقامته في طرابلس عندما دخل ضابط الأمن مسرعا إلى الفيلا يصرخ «غريغ.. غريغ.. القنصلية تتعرض للهجوم»، ثم روى مكالمته الهاتفية القصيرة مع ستيفن على بعد 600 ميل: «غريغ، نحن نتعرض للهجوم.. وقلت له (حسنا)، ثم انقطع الخط».

وروى الجهود المحمومة لاستدعاء مقاتلات من قاعدة أميركية في إيطاليا (سوف يستغرق 2 - 3 ساعات للوصول إلى الموقع «وعدم وجود صهاريج متاحة لهم للتزود بالوقود»). رشف الماء لاستعادة رباطة جأشه بعد سرد «أتعس مكالمة هاتفية تلقيتها في حياتي»، علمت من رئيس الوزراء الليبي أن ستيفنز قتل. وتحدث عن الانسحاب المتسرع من السفارة في طرابلس، حيث كان يخشى من هجوم مماثل.

وذكر في شهادته أمام لجنة مجلس الإصلاح الحكومي والرقابة التابعة لمجلس النواب أن مديرة مكتب السفير آمبر بيكنز، كانت تحمل الذخائر إلى المركبات على باب السفارة وتحطم الأقراص الصلبة بفأس، فضلا عن إنقاذ ديفيد أوبن الذي أصيب بجراح خطيرة بسبب الهجوم بقذائف «المورتر» التي قتلت اثنين آخرين.

استغرقت شهادة هيكس 39 دقيقة - متجاوزة الوقت المسموح به بخمس دقائق - ولم يعترض أحد إلى أن أوقف عيسى رواية القصة حتى يتمكن النواب من طرح الأسئلة.

كان لهيكس العديد من الشكاوى على الطريقة التي تم بها التعامل مع الأحداث في بنغازي، لكن شكاواه كانت بشأن المشاحنات البيروقراطية لا الفضيحة الدبلوماسية. أمضى هيكس قدرا من الوقت يحاول تلميع صورته، فقال للنواب: «اشتهرت بأني سياسي مبتكر قادر على إنهاء الأمور. وقد نلت الكثير من الترقيات وحصلت على العديد من الجوائز»، وقال أيضا: «أنا أحمل رسالتي ماجستير وأتحدث العربية بطلاقة.. صرت معروفا في وقت قصير بأنني المساعد الأبرز للسفير بسبب أساليبي الإدارية الحاسمة.. وقد قال لي لاري بوب شخصيا إن ما فعلته كان بطوليا».

حفز عيسى وزملاؤه من الجمهوريين هذا الغرور بتصريحاتهم، وتوقعوا محاولة من جانب الديمقراطيين نفي مصداقية هيكس، غير أنه اتضح أنهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك.

قال هيكس، الأصلع ذو اللحية البيضاء، إنه «اندهش كثيرا» عندما علم أن سوزان رايس، سفيرة بلاده لدى الأمم المتحدة زعمت على التلفزيون وجود مظاهرة أمام القنصلية في بنغازي، لكنه رفض دعوة للطعن في صحة تصريحات مدير الاستخبارات الوطنية الذي قال إن البيان عكس «أفضل تقييماتنا الجمعية في ذلك الوقت».

كشف هيكس عن اعتقاده أن تحليق الطائرات الأميركية فوق مبنى القنصلية كان قادرا على ردع الهجوم الثاني تلك الليلة لكنه رفض التشكيك في حكم رئيس هيئة الأركان الذي قال إنه لم يكن هناك سبيل لوصول المقاتلين إلى هناك في ذلك الوقت.

لم يكن هيكس ذا فائدة كبيرة بالنسبة للجمهوريين الساعين إلى ربط أوجه القصور في الاستجابة لحادث بنغازي إلى كلينتون أو إدارة أوباما. وقال إنه تحدث إلى كلينتون عبر الهاتف في الثانية صباحا تلك الليلة وإنها دعمت قراراته. وقوض مزاعم عيسى - أن كلينتون رفضت زيادة الأمن على المنشآت في ليبيا - عندما أكد على أن اسم وزيرة الخارجية يظهر على كل مراسلة حتى وإن لم تكتبها هي.

فعل هيكس بعض الأشياء المدمرة بالحديث عن محاولة وزارة الخارجية منعه من التعاون مع لجنة عيسى. لكن ذلك لم يكن بالأدلة التي وعد بها عيسى، والمتمثلة في السياسة التي قادت استجابة الإدارة لهجوم بنغازي.

وعوضا عن الاستماع لرواية الخدع السياسية، استمع الجمهور (من بينهم النائبة الجمهورية عن ولاية مينيسوتا ميشيل باكمان) إلى قصة أفضل عن الارتباك والإحباط على الأرض، كمحاولة هيكس، صباح اليوم التالي للهجوم، إرسال فريق من القوات الخاصة من أربعة أفراد من طرابلس إلى بنغازي للتعزيز. وعندما رفض قادة الجيش الطلب، قال إن قائد الفريق «كان غاضبا للغاية. وقال إن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها دبلوماسيا أكثر جرأة من شخص في الجيش».

لكن ذلك لم يكن ذا فائدة ترجى بالنسبة لعيسى، لكنه سيكون حدثا مهما في الخط الدرامي للفيلم.

* خدمة «واشنطن بوست»