إلى أي مدى ضلت الدول الإسلامية سبيلها؟

TT

هناك أكثر من ثلاثين منطقة في العالم تشهد نزاعات مسلحة، أكثر من 80 في المائة منها يوجد ضمن أراض إسلامية. تأتي فلسطين وسوريا على الدوام في صدارة تلك المناطق، لكن النزاع لا يزال مستمرا في كل من أفغانستان وباكستان وبورما واليمن والصومال وليبيا والسودان ونيجيريا وساحل العاج وبنغلاديش ومالي والجزائر وبلدان أخرى كثيرة من هذا القبيل.

لم يعد العالم ينعم بالسلام والراحة، وربما كان العالم الإسلامي المنطقة الأكثر اضطرابا على أرض الواقع.

وعندما تثار هذه القضية يسارع الكثيرون في الدول الإسلامية إلى إلقاء المسؤولية إما على عاتق الولايات المتحدة وإما على إسرائيل أو الدول الأوروبية الاستعمارية أو تلك «القوى العالمية»، وهي الطرف المشتبه به عادة. صحيح أن العالم الغربي والقوى الاستعمارية، على وجه الخصوص، ظلت منذ سنوات طوال تعتمد سياسة الاستغلال بحق الأراضي الإسلامية، وحرضوا بعض قوى التطرف من المسيحيين الإنجيليين ضد المسلمين ووضعوا خططا لتحويل منطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، إلى ساحة للصراع. ولم تكن العقليات وأساليب التفكير المتطرفة تقتصر على العالم الإسلامي وحده، بل كانت هناك قوى متشددة، ركزت جهودها على معارضة الإسلام، ووضعت خططا وحشية. ولذلك كانت أهداف القوى المتشددة الغربية العمل على إضعاف وإنهاك الدول الإسلامية وتصويرها على أنها لا قيمة لها.

ولكن يجب علينا أيضا أن ننظر إلى المسألة من وجهة النظر الإسلامية. هل من الصواب أن نضع المسؤولية برمتها على كاهل الدول الغربية؟ لكي يتسنى لنا فهم هذا الأمر، دعونا نلقِ نظرة فاحصة على عدد قليل من البلدان الإسلامية التي تعيش في حالة من الفقر والعنف:

عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية فرضت القوى الغربية، على وجه الخصوص، هوية عرقية غريبة على المسلمين الذين يعيشون في مناطق تم ترسيم حدودها باستخدام البوصلات والمقاييس. وعلى حين غرة بدأت المجتمعات المحلية التي كانت تعيش معا كدول شقيقة تحت راية الهوية الإسلامية بتبني ما يعرف بالقومية، أو اعتمادها الأسوأ من ذلك، الاشتراكية القومية بدلا من المبادئ الإسلامية داخل نطاق الحدود التي تم ترسيمها بشكل مصطنع. فضلت المبادئ الماركسية أكثر من نظيرتها الإسلامية في بعض البلدان. وحلت المبادئ الماركسية محل المبادئ الإسلامية السمحة. وبدأت سياسة فرق تسد من جانب الغرب تكشف عن نفسها مع اختلاف الأديان والشعوب. وهنا ظهرت على السطح الصراعات بين الشيعة والسنة وبين العرب والفرس وبين الأكراد والأتراك. وبنفس الطريقة تم تقطيع أوصال الشرق الأوسط وتفتت دوله.

بعد إعلان استقلاله عام 1960، وضع الصومال كامل ثقته في البلدان الشيوعية خلال فترة رئاسة محمد سياد بري وسلم ثرواته، بدءا من الثروات الزراعية إلى المعدنية، إلى القوى الأجنبية المختلفة. وكان الوضع ذاته مع مالي، ففي الوقت الذي برزت فيه الجماعات الإسلامية المتطرفة في الجنوب، كانت الأضرار الناجمة عن تبني المبادئ الشيوعية تلقي بظلالها على البلاد ككل. وانتهى الحال بمئات القبائل الإسلامية التي عاشت من دون أي مشكلات لعدة قرون إلى الاقتتال فيما بينها.

بدأ شعب نيجيريا منذ زمن، رغم غناها باليورانيوم وحقول النفط، بالعيش تحت مستوى خط الفقر. فبعد أن أعلنت استقلالها عن بريطانيا العظمى، لم يتخل البريطانيون أبدا عن الحقول النفط التي يمكن استغلالها. وبتطبيق سياسة فرق تسد، أسهل الطرق لإضعاف الدول، وإقحام المجموعات المتشددة، داخل الأراضي النيجيرية كما حدث في الصومال ودول إسلامية أخرى، قسمت البلاد على النحو المخطط له. أدى الانقسام والصراع في النهاية إلى مزيد من التشرذم والقبائل التي تربطها علاقات صداقة لقرون انتهى بها الأمر لقتال بعضها البعض.

ولا يختلف الوضع السابق في السودان وبنغلاديش وإندونيسيا والكثير من البلدان الإسلامية الأخرى. لقد بذلت جهود كبيرة لتحويل بعض الدول الأفريقية الإسلامية إلى الشيوعية. وفي الوقت الذي أخذت المبادئ الماركسية تضرب بجذورها في بعض بلدان الشرق الأوسط، كان الصدام بين السنة والشيعة أو العلويين يدب في مناطق أخرى. وبهذه الطريقة، ازداد تقسيم البلدان الإسلامية داخليا مع ما تشهده من صراعات. وأنهكت سياسة العنف التي يعتمدها الفكر الشيوعي، التي ألبت الطوائف على بعضها البعض، وتركيز المسلمين على إبراز هوياتهم - بدلا من إيمانهم - قواهم. ربما تكون الدول الاستعمارية هي التي أشعلت فتيل العنف في البداية، ولكن المسلمين هم من سمحوا لأنفسهم باندلاع موجات العنف التي حدثت بعد ذلك. ورأت الدول الإسلامية هذه الانقسامات أنها شرعية: فبدأوا ينظرون إلى بعضهم البعض على أنهم خصوم وليسوا أشقاء. وفي هذا الوقت تحديدا، هناك مسلمون يقتلون إخوانهم في كثير من دول العالم الإسلامي. وصحيح تماما أن هناك أخطاء قد بذلت في الماضي، ولكن يجب علينا كمسلمين أن ندرك حجم مسؤولياتنا. لا يمكننا تهدئة أجواء البلدان الإسلامية عبر إضاعة الوقت بإلقاء اللوم على الآخرين. ويجب علينا أن نتحد كما أمرنا الله، فيقول الله عز وجل في الآية 73 من سورة الأنفال: «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وهذا ما حدث على وجه التحديد. كلما ازدادت الهوة بين المسلمين بعضهم البعض وفقدوا الإحساس بالوحدة، نمت الفتنة والفساد. ومن ثم فإن الحل المثالي للعالم الإسلامي هو الوحدة التي تنادي بها القيم الأخلاقية القرآنية.

من سيوفقنا إلى ذلك هو الله سبحانه، ليس علينا سوى أن ندعو بذلك. ينبغي علينا أن ندعو المسلمين إلى توحيد الصف، والتآلف وتذكيرهم بأننا عبيد رب واحد. ينبغي علينا أيضا أن ندعو العالم إلى الحب، وواجبنا أن نذكرهم بأن الله خلق هذا العالم للحب لا للكراهية. والسر خلف إعمار هذا العالم هو الدعوة للوحدة. إن إيمان هؤلاء المتطرفين بأفكارهم قد يحيا عبر الكراهية والتهييج. لكن إسلامنا يأمرنا كما جاء في القرآن بأن نحب بعضنا البعض وأصدقاءنا. ينبغي أن نتحدث عن الحب مهما كانت الظروف، حتى في ظل الاضطهاد. إن خطاب الكراهية لن يجلب السلام إلى العالم، لكن الحديث عن الحب والوحدة قادر على ذلك.