فزاعة «عرقنة» سوريا.. صورة مكبرة!

TT

لا يزال إهمال المجتمع الدولي وفي مقدمته «الرأس المدبر» الولايات المتحدة للملف السوري يلقي بظلاله على تطورات الأحداث في المنطقة. المؤسف ليس تخبط الإدارة الأوبامية في آليات التدخل وحدوده، لكن ما يمكن تسميته «الحملة» السياسية الأميركية لفزاعة تكرار الوضع العراقي في المنطقة والتي تجاوزت التصريحات الخجولة لأقطاب الخارجية الأميركية، لتشمل مقالات كثيرة في الصحافة الأميركية في الأسابيع الماضية تتحدث عن الخوف من مستنقع عراقي في سوريا، في حين أننا شهدنا في فترات ماضية نمذجة مثالية لعراق ما بعد صدام، خيبها الأداء المتحيز لحكومة المالكي التي أسهمت في إعادة كرة اللهب الطائفية لتصبح واحدا من إمدادات الأتون الطائفي الذي يشتعل الآن، وربما كانت أحداث كركوك الماضية، التي خلفت أكثر من خمسين قتيلا إثر احتجاجات للسنة لم تتوقف منذ عشر سنوات، مثالا واضحا.

وبعيدا عن فزاعة «عرقنة» الملف السوري، فإن هذا ليس بمستبعد، ليس بسبب «القاعدة» لأنها نتيجة وليست سببا، وإنما للتأخر كل هذا الوقت في الإبقاء على النظام الأسدي الذي استطاع تحويل مجريات الثورة إلى فرازة طائفية ومناطقية عبر أدوات القمع والتنكيل التي أسهمت في تحويل مسار الثورة السورية، وهنا بيت القصيد الذي لا يقرأه الساسة الأميركان، حيث «القاعدة» والطائفية إفراز لسياسة النظام القمعية وليستا مرتكزا أساسيا في الثورة السورية بدليل سلميتها طيلة الأشهر الأولى، إضافة إلى أنه حتى الآن لا يمكن الحديث عن تكتل منفصل لـ«القاعدة» يمكن أن ينازع الجيش الحر التحكم في إيقاع التحرك المسلح على الأرض. والتشبيه بأفغانستان جديدة على كونه مبالغة لا يخلو من مفارقة أن «قاعدة أفغانستان» كانت ذات يد طويلة بفضل الدعم الأميركي والإقليمي ومستقلة من حيث الموارد والمقاتلين وليست مجموعات «نصرة» من دول مجاورة كلبنان والأردن وفئات من المقاتلين من أوروبا وبعض الدول العربية، وكل هذه المجموعات لا تشكل أرقاما كبيرة يمكن أن تعيد الواقع الأفغاني، ولكن الأكيد أن عودتها إلى ديارها الأصلية قد تخلق موجات ارتدادية في حال بقاء الملف السوري على حاله.

عودا للملف العراقي، فإن سير الأحداث منذ تفاقم الأداء الطائفي المخيب لحكومة المالكي يبدو أن نتائجه الآن خارجة عن السيطرة، حيث تتعاظم كرة الثلج للغبن الذي يعاني منه السنة على مستوى التمثيل السياسي، كما أن أعينهم تحدق في حالة الحصار الذي يمارسه النظام وطهران وحزب الله على الشعب السوري، مما يحول هذه المظلومية السياسية التي كان من السهل حلها بإيجاد صيغة توافقية تمثل كل أطياف الشعب العراقي إلى اصطفاف إقليمي لن يكون في مصلحة العراق، لا سيما أن منسوب الطائفية الآن في أعلى درجاته.

والسؤال: لماذا يتم دائما تسليط الضوء على «القاعدة» وأخواتها في سياق الأزمة السورية مع أن حضورها هو نتيجة لتفاقم الأوضاع وليس سببا فيه؟.. ولماذا يتم تجاهل تنظيمات مسلحة مؤيدة للنظام الأسدي لا يتم الحديث عنها في التقارير الصحافية ولا حتى في الحديث عن التدخل الإيراني المباشر وعبر ذراعه الإقليمية حزب الله؟.. فمما لا يخفى على المتابع للملف السوري أن هناك عددا كبيرا من التنظيمات المسلحة المؤيدة لنظام الأسد مثل «فيلق القدس» الإيراني، وهو واحد من أهم التنظيمات المسلحة التي تعمل على الأرض، هذا عدا المجموعات المتكاثرة لعناصر ومقاتلي حزب الله في منطقة القصير والقرى المحيطة بريف حمص.

الأكيد أن المستفيد من هذه «العسكرة» للحالة السورية هو النظام نفسه الذي بات يستخدمها كفزاعة لتثبيت حكمه وإفراغ الثورة من وقودها السلمي وتعبئتها بفوضى التسليح، مما أسهم في سهولة حشد رأي مضاد عالمي روسي صيني وحتى لبعض دول أميركا اللاتينية التي ترى في ما يحدث اقتتالا مسلحا أقرب إلى الافتئات على النظام المدني العلماني، وهي أكذوبة على سذاجتها تم تمريرها بسهولة على دول كان لديها تحفظ على التدخل في المنطقة تحت شعار «الديمقراطية» وهي الخطيئة الأميركية التي أصابتها بالفوبيا وعقدة الذنب.

عسكرة الواقع السوري كانت هدف النظام الأسدي، لكن هدفه الأساسي لتدمير الداخل هو اللعب على الوتر الطائفي الذي كان في البداية أقرب للمزحة، إذا ما أخذنا في الاعتبار رد الفعل العنيف من قبل أطياف الثورة السورية على الخطاب الطائفي الذي صدر من بعض الدعاة السوريين في الخارج، لكن هذه اللعبة الآن هي وقود تأجيج الصراع في الداخل السوري، لأنها تضمن تدفق مقاتلين للنصرة، كما تؤدي إلى سهولة تمرير فصائل إيرانية مسلحة وأفراد لحزب الله على قاعدة إنقاذ الأقليتين العلوية والمسيحية، وبالطبع هذه النغمة المحببة للدوائر الغربية تم نقلها بامتياز عبر حلفاء النظام السوري هناك من إعلاميين وسياسيين، والذين لا يتوانون عن التذكير بتجربة الحرب الأهلية اللبنانية.

ما يحدث الآن هو اختيار أسوأ ما في المنطقة، «الطائفية» و«القاعدة» و«التمدد الإيراني» و«التلويح بشبح الحرب الأهلية»، ويعاد تدويره من قبل النظام لخلق فزاعة ملائمة تطيل من مدة بقائه وربما تسهم في إضعاف انتهاء هذا الملف قبل أن يتحول إلى صراع إقليمي بدأنا نشهد بوادره في الحدود التركية السورية والعراقية السورية، والقادم أسوأ.

[email protected]