الحرب السورية على تركيا لم تبدأ من الريحانية

TT

أدوات النظام السوري اختارت الريحانية أكثر المناطق حساسية في تركيبتها العرقية والدينية في إقليم هتاي واسخنها سياسيا بين السكان و«ضيوفهم» السوريين لتصيب أكثر من عصفور بهذين الانفجارين. عطلة نهاية الأسبوع، منتصف النهار، الساعات الأكثر ازدحاما في الشوارع وتفجيرات مدوية تقود إلى سقوط العشرات بين القتلى والجرحى. هجمة تختلف في توصيفها عن هجمات التحذير والتحدي والاستفزاز لكنها تعكس هذه المرة أيضا حقيقة تمسك دمشق بقرار إعلان الحرب المباشرة على تركيا والذي تجاهلتها حكومة أردوغان أكثر من مرة.

أنقرة تقول إنها تملك الكثير من الاعترافات والأدلة حول دور المخابرات السورية في تنفيذ الهجوم ودمشق رفضت الاتهامات التركية حول تحريك مجموعة يسارية تركية جندها ودعمها ومولها النظام السوري لتقوم بعمليات من هذا النوع عند الضرورة.

كنا نردد بعد كل استهداف سوري للداخل التركي وتحديدا بعد إسقاط الطائرة الحربية التركية فوق المتوسط وتفجير «باب الهوى» في فبراير (شباط) المنصرم أنه إذا ما ثبت أن دمشق هي التي تقف وراء هذه الهجمات فهذا سيعني بالنسبة لأنقرة الوصول إلى الفرصة التي تريدها للدخول في مواجهة علنية مباشرة والتنسيق ضمن كل الوسائل المتاحة وبالتعاون مع أي جهة محلية أو إقليمية يهمها الإطاحة بالنظام في سوريا. وراهنا على أن تركيا ستقود بعدما يثبت تورط النظام السوري في استهدافها على هذا النحو عملية تسريع التدخل العسكري باتجاه دمشق قبل أن تطاردها صدمة جديدة قد تكون أشد وأقوى لمنعها من النهوض من بين أنقاض الهجمات والانفجارات المتلاحقة، لكنه يبدو أن الذين يقفون وراء هذا العمل نجحوا قبل كل شيء في توتير العلاقة بين حكومة أردوغان وقواعدها الشعبية حتى حول مسار السياسة التركية في سوريا أين وعود الانفراج الموعود بها خلال أشهر؟

الانفجار الجديد هذا نجح على ما يبدو في زيادة غضب الإعلام والمعارضة وسكان المناطق الحدودية التركية وتحريك الشارع باتجاه طرح السؤال الذي تجنب المجاهرة به في وجه حكومة أردوغان حتى الساعة. كيف سننجح في الخروج من المستنقع السوري؟ لكن الرد والخيار الوحيد المتقدم على بقية الخيارات هو أن تركيا لن تسمح بمثل هذه السهولة لدمشق وحلفائها باستهدافها بهذا الشكل لأن الأضرار لا تطال تركيا وحدها بل هي ستدفع شركاء وحلفاء أنقرة في المعارضة السورية وفي سياسات الاصطفاف الإقليمي الجديد للقلق على مصالحهم ومواقعهم.

يبدو أن الذي أغضب النظام السوري على هذا النحو هذه المرة هو إعلان أنقرة تحركها للكشف عن تفاصيل استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل في المدن الثائرة وإرسال خبراء وإخصائيين أتراك وأجانب للتأكد من ذلك عبر معاينة وفحص حالات هي تحت الشبهات، كذلك استعداد حكومة أردوغان للقيام بجولات على الكثير من العواصم الغربية لشرح حقيقة لجوء دمشق لاستخدام هذه الأسلحة المحظورة. لا بل إن دمشق تريد توجيه إحدى أقوى رسائلها لقطع الطريق على أردوغان الذاهب لمقابلة الرئيس الأميركي أوباما حاملا الكثير من الملفات والخيارات التي ستتم مناقشتها تحت عنوانين لا ثالث لهما رحيل نظام الأسد بأسرع ما يمكن عبر اتفاق سياسي دولي أو إسقاطه عسكريا من خلال عمليات لا اعتراض بعد الآن أن تنطلق من الأراضي التركية.

أنقرة تذكر الجميع بأن الخيارات تتقلص فهي إما أنها ستنجح في إقناع اللاعبين الإقليميين والدوليين بإيجاد الحل السياسي الذي يزيح النظام وإما أنها ستعطيه ما يريد منذ بداية الأزمة توسيع رقعة المواجهات العسكرية بعدما اختبر صبر تركيا طيلة الأشهر الماضية من خلال تحرشات واستفزازات كثيرة لم ترد عليها حكومة أردوغان.

دمشق بدأت الحرب على تركيا قبل عام وعلى أكثر من جبهة فالتحريض في لبنان في أوجه والخدمات التي تقدمها حكومة المالكي يتزايد عددها وإيران التي توفر التمويل المالي المفتوح وروسيا التي تتجاهل سقوط عشرات آلاف القتلى بأسلحتها المقدمة للنظام متمسكة «بأخلاقيتها التجارية» في إرسال بقية الشحنات التي لا يعرف أحد متى تنتهي؟

أنقرة تعرف أنه بعد هذه الساعة لا فرص وأوراق كثيرة تلعبها وتناور بها فالتحريض السوري في ذروته وأردوغان الجار والصديق والحليف تحول إلى إرهابي بنظر وزير الإعلام السوري وإطالة عمر النظام في دمشق على هذا النحو سيوفر له الفرص والوقت لتكثيف الهجمات واستدعاء المزيد من الخلايا من إجازاتها.

النظام السوري يعرف استحالة أن يكون «جنيف الثاني» دولاب النجاة وأنه راحل لا محالة لكنه يريد أن يثبت ما قاله منذ اندلاع الثورة في سوريا أنه يختلف عن القذافي ومبارك وبن علي.