العبودية الباقية

TT

تثار عاما بعد آخر مسألة العبودية في موريتانيا. ويبدو أنها قضية معقدة بقدر ما هي معيبة. وما من شيء في الأرض أسوأ أو أقسى من الاستعباد، الذي مارسته جميع الأمم بطرق مختلفة: من روما القديمة إلى روسيا القيصرية، ومن الولايات المتحدة إلى الصين. وكان في الإمبراطورية الرومانية مسرحي سوري يدعى بوبليوس، ذاع صيته لجملته الشهيرة «ليس ما هو أصعب من أن يكون الإنسان خاضعا لإرادة رجل آخر».

السبب الأول للعبودية، أو لاستمرارها، هو الفقر. في القرن الثامن عشر كان هناك من العبيد أكثر مما كان من الجنود أو الموظفين أو الشرطة، لأن الفقر كان يدفع الناس إلى أن يبيعوا أنفسهم في الساحات العامة. والفارق بين عبيد الصين وروسيا وعبيد أميركا هو كمية العذاب. فالمستعبد في أميركا كان يعمل في الحقول والزراعة لساعات مهلكة، أما في الصين وروسيا فكانوا يعملون خدما في المنازل والقصور.

نعيش في زمننا هذا نوعا جديدا من العبوديات. هناك 200 مليون طفل حول العالم يؤدون أعمالا شاقة. ونسبة هؤلاء ليست قليلة أبدا بين الأطفال العرب، حيث تقول آخر الإحصاءات الدولية إن نسبة البطالة، مشرقا ومغربا، تزيد على 28 في المائة. وفي اعتقادي أنها تفوق ذلك بكثير، خصوصا في دول «الربيع» حيث تدهور الاقتصاد وتشتت الناس ونزح العمال وأصحاب العمل، كما في سوريا والعراق.

قبل خطف 12 مليون أفريقي ليكونوا عبيدا في «العالم الجديد»، كان أول ضحايا الاستعباد السلافيون، الذين أعطوا اسم العبودية بالإنجليزية (SLAVES). ولم يبق فريق إلا واعتدى عليهم، من الرومانيين والمسيحيين والفايكنغ والتتر والعرب.

حتى منتصف القرن التاسع عشر كانت أغاني العبيد الأوكرانيين في روسيا تردد بحزن: «اسمع ما يقوله البحر، اسأل الجبال السوداء»! لم يكن لهم من عزاء إلا في الطبيعة. كل شيء آخر لم يكن في المتناول، خصوصا كرامتهم الإنسانية. لكن الرق انتهى رسميا منذ زمن. وكانت موريتانيا آخر من أعلن نهايته عام 1981. إلا أن المراسلين ومنظمات حقوق الإنسان يقولون إن العبودية لا تزال قائمة على نطاق واسع. وتقول الـ«سي إن إن» إنه في بلد يعاني من الفقر، مثل موريتانيا، يكون أحيانا العبد والمستعبد في وضع حياتي واحد. وتقدر نسبة العبيد بـ10 إلى 20 في المائة من السكان الذين يعيش 44 في المائة منهم على دولارين في اليوم.

صحيح أن هموم العرب كثيرة هذه الأيام، لكن موريتانيا في حاجة إلى مشروع مساعدة تطويرية واسع النطاق، وليس إلى انقلاب كالذي بعث به «البعث» العراقي.