«المؤتمر الدولي» محاولة فاشلة والمواقف متباعدة والأمل مفقود!

TT

بينما تحولت موسكو إلى «محج» للمعنيين بالأزمة السورية، التي يبدو أن انفراجها لا يزال أمنية بعيدة المنال، وبينما غدا سيرغي لافروف نجم هذه المرحلة التاريخية وغدا فلاديمير بوتين وكأنه جوزيف ستالين عندما كان في ذروة جبروته وتألقه الكوني، فإن الولايات المتحدة، الدولة التي لا تزال تصر على أنها القطب الأوحد الذي لا يدانيه قطب في الكرة الأرضية، تبدو منهكة ومرتبكة وفاقدة القدرة على قراءة مستجدات المعادلة الشرق أوسطية وبالتالي باتت غير مقنعة لأصدقائها في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية، كما باتت غير مرهوبة الجانب في العالم بأسره.

عندما التقى جون كيري قبل أيام نده سيرغي لافروف في ذلك المؤتمر الصحافي المهزلة الذي جمع الاثنين في موسكو بدا وزير خارجية أميركا، الدولة الأعظم في العالم والقطب الأوحد في الكرة الأرضية، كممثل استعراضي مضحك ورديء وغير مقنع ولا في حرف واحد في كل ما قاله، بينما بدا «نده» الروسي واثقا من نفسه وكأنه وزير خارجية الاتحاد السوفياتي أندريه غروميكو وهو في ذروة صعوده في تلك الفترة من مرحلة الحرب الباردة وصراع المعسكرات التي كان عندما يقول فيها أي كلمة ترتجف إزاءها فرائص الكون كله.

وأيضا وبينما بدا فلاديمير بوتين وهو يستقبل الذين جاءوه ليعرفوا رأيه في كل ما يطرح لحل الأزمة السورية، التي كان ولا يزال قرارها في موسكو أكثر مما هو في دمشق أو طهران أو في عاصمة دويلة حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، وكأنه أحد عظماء قياصرة عائلة رومانوف الشهيرة، فإن باراك أوباما قد بدا وهو يتلقى ما حصل بين وزير خارجيته ووزير خارجية روسيا في اجتماع «سوتشي» الروسية الأخير وكأنه رئيس دولة «مايكرونيزيا» وليس رئيس الولايات المتحدة الدولة التي من المفترض أنها اللاعب الأهم والأكبر في الكرة الأرضية.

وهكذا وبينما كثر الحديث عن عقد مؤتمر دولي لإنهاء الأزمة السورية استنادا لاتفاق اجتماع جنيف الثاني المعروف، فإن ما لمسه المتابعون والمعنيون في هذه المنطقة وفي أميركا وروسيا وأوروبا وفي العالم كله، أن الموقف الروسي تجاه هذه الأزمة ثابت لم يتغير، وأن كل ما يقال عن تحول في هذا الموقف لا صحة له وأنه مجرد أمان واختلاق للمزيد من الذرائع من أجل تبرير كل هذا «الاندلاق» الأميركي على المؤتمر الدولي الذي يجري الحديث عنه والذي لا يزال دونه «خرط القتاد»، كما يقال، والذي من الواضح أنه لن يعقد لا في بداية يونيو (حزيران) المقبل وربما ولا في هذا العام كله اللهم إلا إذا استجدت معجزة في هذا الزمن الذي هو ليس زمن معجزات لا كبيرة ولا صغيرة.

والمشكلة أن موقف الولايات المتحدة، التي من المفترض أنها صاحبة مصالح حيوية واستراتيجية في الشرق الأوسط، الذي تشكل سوريا الحالية والسابقة وبالطبع اللاحقة حلقة من حلقاته الرئيسة ورقما مهما في معادلته السياسية، لا يزال على ما بقي عليه خلال العامين الماضيين من عمر الأزمة السورية التي يبدو أن حلها لا يزال بعيدا جدا، فالرئيس باراك أوباما الذي تفاءل حلفاء أميركا في هذه المنطقة وفي العالم كله بأنه سيشرب «حليب السباع» في ولايته الثانية وأنه سيستبدل بتردده المحبط فعلا مواقف تاريخية وأنه سيأتي بما لم يستطعه الأوائل وبخاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي معلقة من رموش عيونها الآن وكما لم تكن عليه في أي من عهود الرؤساء الأميركيين السابقين وفي أي من المراحل السابقة.

إن آخر كلام سمعه جون كيري من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع «سوتشي» الجميل على البحر الأسود، الذي كان منتجعا سياسيا لأباطرة الحزب الشيوعي في عهد الإمبراطورية السوفياتية، ومن وزير خارجيته سيرغي لافروف، هو أن المعارضة السورية مجموعات من «المتطرفين» و«الإرهابيين»، وأن انتصارها سيؤدي إلى تفتيت سوريا وتمزيقها، وأنه لا مرحلة انتقالية من دون بشار الأسد، وأيضا أن صلاحيات الحكومة المؤقتة التي من المفترض تشكيلها كإحدى الخطوات الرئيسة لحل الأزمة السورية سياسيا وسلميا يجب ألا تشمل لا الأمور العسكرية ولا الأمور الأمنية التي كما قال الروس وما زالوا يقولون إنها ستبقى في يد الرئيس السوري نفسه حتى عام 2014 الذي هو عام الانتخابات الرئاسية السورية الجديدة.

ثم وإن آخر كلام قاله الروس حول هذا المؤتمر الدولي، لحل الأزمة السورية، الذي يجري الحديث عنه، هو أنه من غير الممكن عقده في الوقت الذي تم الاتفاق عليه، وأنه يجب أن يترأس الوفد السوري إليه وليد المعلم، وأنه يجب توحيد المعارضة السورية قبل انعقاد هذا المؤتمر ويجب عزل «المتشددين» في هذه المعارضة ومحاصرتهم كشرط مسبق لحل هذه الأزمة حلا سلميا وسياسيا ومن خلال «المفاوضات»، كما قال جون كيري في تصريحاته الأخيرة حول هذه المسألة، وحقيقة أن هذا يعني أن موسكو لا تريد هذا المؤتمر وأنها باتت تراهن في ضوء هذا الهجوم العسكري المعاكس الذي لجأ إليه بشار الأسد بإشراف روسي وبمشاركة إيران وحزب الله اللبناني على تحقيق النظام السوري انتصارات نوعية في جبهات القتال تمكنه من إملاء شروطه التي في طليعتها عدم المس لا به ولا بالدستور ولا بالجيش ولا بأجهزته الأمنية وما أكثرها.

وهنا فإن ما يدعو إلى الاستغراب هو أن هناك معلومات، يحرص الأميركيون والأوروبيون وبعض العرب على ترويجها، تتحدث عن أن الروس غدوا مقتنعين بأنه لم يعد هناك لا أمل ولا مجال لبقاء بشار الأسد، وأن هناك معلومات عن أن موسكو، التي أبلغت رئيسا عربيا زارها مؤخرا بأنها لن تستقبل الرئيس السوري لاجئا سياسيا، تنهمك الآن في البحث عن «مأوى» له ولمن سيرافقه من أفراد عائلته ورموز نظامه مع ضمانات مؤكدة بعدم تسليمه وتسليم هؤلاء الذين يرافقونه إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحاكمهم على ما ارتكبوه من جرائم خلال العامين الماضيين وقبل ذلك.

وبالنتيجة فإنه يمكن التأكيد في ضوء هذا كله على أن هذا المؤتمر لن ينعقد لا في نهاية هذا الشهر ولا في بدايات شهر يونيو المقبل وأنه قد لا ينعقد إطلاقا، فالمواقف لا تزال متباعدة جدا وهناك رفض دولي وعربي لأي حل سياسي وسلمي ما لم يتم الاتفاق المسبق على إقصاء بشار الأسد أو على الأقل تهميشه، وكذلك فإن هناك إصرارا من قبل المعارضة المسلحة بكل فصائلها على عدم التفاوض لا مع هذا النظام ولا مع أي من رموزه. والواضح هنا أن الأميركيين ورغم ميوعة مواقفهم تجاه هذه المسألة يتمسكون هم أيضا بما تتمسك به هذه المعارضة وما تتمسك به بعض الدول العربية وبعض الدول الأوروبية.

إذن فكيف يجري الحديث وبكل هذه الجدية عن إمكانية عقد هذا المؤتمر الدولي إن في بداية يونيو المقبل وإن بعد ذلك، طالما أن مواقف الأطراف المعنية هي هذه المواقف المتباعدة وطالما أن الروس فعليا لم يغيروا مواقفهم السابقة وأن النظام السوري وهو يقوم بهذا الهجوم العسكري الكاسح المعاكس يراهن على إمكانية دحر المعارضة والإمساك بزمام الأمور وبحيث إذا كان لا بد من مفاوضات مع هذه المعارضة أن تكون هذه المفاوضات من موقع القدرة على إملاء الشروط والابتزاز؟

وأخيرا فإن المؤكد أن هذا المؤتمر لن ينعقد ما دام أن معادلة موازين القوى على الأرض وفي الساحة الدولية هي هذه المعادلة القائمة الآن، ولذلك فإنه يجب عدم التعويل كثيرا على أن اجتماع «أصدقاء سوريا» الذي سينعقد في العشرين من هذا الشهر في عمان سيغير في هذه الحقائق، فأهم ما في هذا المؤتمر المهم هو أن انعقاده في العاصمة الأردنية يدل على أن الأردن قد حسم أموره بشكل نهائي بالنسبة للأزمة السورية وأنه تخلى عن موقف «اللاموقف» الذي بقي يتخذه لأسباب كثيرة لحساب موقف الحسم والضغط على الرئيس السوري ضغطا جديا وحتى بالوسائل العسكرية لإرغامه على الاستجابة لإرادة شعبه والتخلي نهائيا عن «زعرنات» التهديد بنقل حرائق سوريا، المسؤول عنها هو نفسه وليس غيره، إلى الدول المجاورة ومن بينها المملكة الأردنية الهاشمية.