لا جديد تحت الشمس

TT

الشمس فوقنا في الشرق الأوسط كل يوم. لا تغيب حتى المغيب ولا تنقص حتى الخسوف. ونعيش تحتها على سنتها، لا نتغير ولا نتطور. يأتي رئيس ويذهب رئيس، وتنجح ثورة وتفشل ثورة والمحكوم هو هو، والموت هو هو، والحياة هي هي. فلا جديد تحت الشمس،

وعلى وجه التحديد والدقة، لا جديد تحت شمس الشرق الأوسط. فالأقوام الأخرى لهم شموس أخرى.

نرى مصداق هذا الكلام في أرض النيل وأرض النهرين. الكثير من أنماط حياتهم رسمها لهم الأقدمون قبل ألوف السنين. فملك سومر فشل في سعيه للخلود وقالت له الآلهة: الخلود ليس لك، وليس عندك غير هذه الحياة فانعم بها قبل أن تفوتك. وها هم البعض في العراق يعيشون في إطار هذه النصيحة؛ يسرقون أموال الدولة ويرتشون أموال الجمهور ويبنون القصور ويلبسون الحرير.. يعيشون كمن آمن بأنه سيعيش أبدا.

ولمصر حكاية أخرى. قالت الآلهة لابن النيل: هذه دنيا فانية. دنياك الحقيقية في دنياك الباقية في عالم الأموات، عالم الخلود. احرص عليها وتزود لها وقتر ووفر ليومها. وهكذا عاشوا، كبيرهم وصغيرهم، الحاكم منهم والصعلوك، يجوّع بطنه ويحرم نفسه ويصبر على ضيمه ليوفر لقبره كل وسائل الراحة والفرفشة والموت السعيد. لم يتركوا لنا أي قصور شامخة أو ملاه باذخة ولكنهم دفنوا كل شيء من ذهب وفضة وجواهر وروائع ما بعدها من روائع عشرات الأمتار تحت التراب في قبور لم يشهد التاريخ مثيلا لها. أين معابد روما وأثينا وجنائن بابل وبغداد من قبور المصريين؟!

هذه دنيا البقاء. ولها يعيش ابن النيل كمن آمن بأنه سيموت غدا.

هذا ما تعلمته من محاضرة الدكتور إبراهيم عبد الباسط التي ألقاها في ديوان حديث الأمة بلندن. ويظهر أن هذا الإيمان ما زال مغروسا في قلوب الكثير من أهل مصر، أولئك الذين صوتوا للإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين، اعتقادا منهم بأن دنياهم هذه دنيا فانية. وهذه الأحزاب الإسلاموية هي أحزاب الدنيا الباقية. واتبعوا سنة القدماء، فلا بأس أن تجوعوا وتمرضوا وتعانوا ما تعانون انتظارا للدنيا الباقية. ما عليكم غير أن تعدوا أنفسكم لها. وما عليكم إلا الصبر. إذا جعتم أو مرضتم أو أهلككم البرد، إذا عانيتم من البطالة وصعب عليكم النوم على الرصيف، فتذرعوا بالصبر، فهذا كله دنيا فانية وامتحان لإيمانكم. وهو ما تحمله الأولون الصالحون.

على الأحزاب الإسلاموية أن تلتزم الصدق، فريضة كل مسلم، وتقول كل هذا: نحن نعدكم بالآخرة ولا شأن لنا بهذه الدنيا الفانية فلا تحاسبونا عنها.