هاشم صالح.. محبط!

TT

الأربعاء 24 أبريل (نيسان) الماضي، كتب الأستاذ هاشم صالح في هذه الجريدة، في صفحة الكتب، مستعرضا كتابا لمؤلف فرنسي مولع، كما يقول صالح، بالعالم العربي، وهو الدكتور جيل كيبيل، متأملا فيه مستقبل العالم العربي، عطفا على ما سمي بموسم الربيع العربي. كيبيل، حسب رؤية هاشم صالح له، «مفتون بالعالم العربي، وهو يرى فيه، ليس وحده بل جيله كله، صورة أوروبا قبل مائتي سنة عندما كانت لا تزال في طور الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر الحداثة».

جيل كيبيل، على مدار سنتين متواصلتين، راح يجوب العالم العربي طولا وعرضا من مشرقه إلى مغربه لكي يفهم ما حصل.

لكن رغم كل هذه الجهود والرحلات، من كيبيل وغيره، فقليل من هؤلاء الأجانب استوعب منطقتنا جيدا، خصوصا من أصحاب النزعات اليسارية والمثالية، فهم يسقطون على العالم العربي والإسلامي تصوراتهم الخاصة للمشكلة من واقع تجربتهم وتاريخهم، من دون تكليف أنفسهم عناء الاجتهاد لمعرفة الصورة الحقيقية، وربما الجديدة، لهذه المجتمعات التي يدرسونها. لا غبار عليهم من ناحية الكدح العلمي، والجهد العملي، ولكن الغبار كله والنقد هو على التصورات السابقة لهم، والساذجة كثيرا، خصوصا إذا انتقلت هذه التصورات إلى عالم الصحافة والإعلام، فتصبح الكارثة أكبر، لأن مثل هذه المواد الإعلامية تصير زادا وذخيرة لمتخذي القرار من الساسة في واشنطن وباريس، وغيرهما.

رأينا كثيرا من هؤلاء الصحافيين الأجانب في بلادنا، والحق أن قليلا منهم ترى فيه صورة المستوعب لطبيعة المشهد العربي والإسلامي، وكثيرا منهم، بسوء نية، أو بسذاجة فقط، يقحمون المشهد العربي قسرا في قوالبهم السابقة، وبعضهم ينقل أهواءه اليسارية أو غيرها، إلى الحالة التي يقرأها، ويسمع فقط ممن يعزفون على نفس نغماته.

الحق أن المشهد العربي والانقسامات المتنوعة التي تتحكم به، أعقد مما يتخيل كثير من أبناء العرب أنفسهم، وفي الوقت نفسه، فإنه من المستحيل أيضا حصر المشكلة العربية في مجرد استعادة صراعات الماضي وحروب كربلاء وصفين.

القصة معقدة ومركبة، لذلك تحتاج إلى جهد معقد ومركب وصبور لفهم ما يجري، ثم إحسان التعامل معه، كما هو، لا كما ترغب أن يكون. إما هذا، وإما أنك ستشكو بمرارة مثلما فعل الأستاذ هاشم صالح في خاتمة قصته، بطريقة محزنة، وربما ظريفة في حزنها! حيث يقول مشددا على وجوب حضور المنهج العلمي «الحفري» في قراءة المجتمعات العربية: «من دون هذه المنهجية الأركيولوجية لا يمكن أن نفهم سبب انفجار الصراعات الطائفية التي تكاد تدمر المنطقة، وبالأخص الصراع السني - الشيعي، ولكن أيضا الإسلامي - المسيحي. يكفي أن نلقي نظرة على حالة مصر. في الواقع أن هذا الشيء كان متوقعا ولا يمكن أن يفاجئ إلا السذج أو العميان. أنا شخصيا كنت أرى ذلك مقبلا بأم عيني منذ ثلاثين سنة على الأقل. ولا يعني ذلك أني عبقري أو متنبئ العصور الحديثة.. فالحمار كان يدرك ذلك. ولا أعرف لماذا أكون أكثر غباء من الحمار الذي أكن له كل مشاعر الاحترام والتقدير لأنه كان صديق طفولتي؟!».

[email protected]