النكبة.. نكبات!

TT

تمر هذه الأيام ذكرى النكبة الأليمة، ذكرى قيام دولة إسرائيل، الكيان الصهيوني، العدو الأول.. كل هذه الأوصاف تنطبق على إسرائيل ولا شك. دولة عنصرية بامتياز، قامت على مشروع فاشي بامتياز وظلت تنمو بسبب دعم غير مسبوق من أقطاب الدول الكبرى، ولكن الأهم أنها نمت على حساب الإخفاقات والخيبات العربية الكبرى.

بالرغم من أن إسرائيل أفرزت شخصيات ارتكبت من الإرهاب والطغيان ما لا يمكن إنكاره، شخصيات عرفت بدمويتها وفظاعة أعمالها مثل موشيه ديان، وغولدا مائير، ومناحيم بيغن، وإسحق شامير، وإسحق رابين، وشيمعون بيريس، وبنيامين نتنياهو، وأرييل شارون، وغيرهم طبعا، فإن فلسطين مع مرور الوقت تحولت من قضية شريفة، بل أهم وأشرف القضايا أمام عدو لا يمكن التشكيك في عدائه، إلى سلعة رخيصة وجدت «زبائن» و«مروجين» على نفس المقام والوزن.. فغالبية من تصدوا لفكرة تحرير فلسطين كانوا طغاة، تاجروا بالقضية واحترفوا الدجل على شعوبهم. جمال عبد الناصر حكم بلاده بالحديد والنار وحرم شعبه من كل الحقوق السياسية وسلب حرياتهم وملأ السجون بهم وأضاع من الأراضي العربية أكثر مما كانت تحتله إسرائيل، ودخل إلى اليمن في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، وأحدث العديد من الفتن بين الدول العربية واستنسخ من «نماذجه» وزرعهم في الدول العربية ليدفع العالم العربي كله ثمن سياساته. وظهر معمر القذافي في ليبيا ودمر بلاده وثرواتها وجعل نهجه وأسلوب حكمه أكبر نكتة وأضحوكة في تاريخ الشعوب المعاصرة، ومع كل ذلك كان ينادي تارة بتحرير فلسطين وتارة بطرد شعبها وتارة بإعلان دولة «إسراطين» ككيان مشترك بين إسرائيل وفلسطين. وطبعا ظهر لنا حافظ الأسد الذي «انسحب» من الجولان قبل الاعتداء عليها وسلمها بشكل «بارد» لإسرائيل وظل ينادي طوال سنوات عجاف بتحرير أرضه، بينما كان يقتل بالمئات من الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والأردنيين، ولكنه ظل أسطورة في تكريس الفتن ونشر العداء البيني بين العرب ودمر بلدا مجاورا له وهو لبنان عبر «احتلاله» لسنوات طوال. وجاء صدام حسين الذي دمر العراق تحت شعار «تحرير فلسطين»، فدخل حربا مع إيران واحتل جارته الكويت وبدد أموال بلاده وجوّع شعبه، وكل ذلك كان يحصل باستمرار تحت شعار «تحرير فلسطين». وها هو حسن نصر الله ينضم لهذه الأسماء مع ميليشياته المسماة حزب الله، والتي يوجهها لقتل الأبرياء من السوريين في وطنهم دفاعا عن نظام بشار الأسد الدموي.

لا يمكن تحرير فلسطين بهذه النوعية من الشخصيات، كلهم يسعون لأن يكون صلاح الدين العظيم، ولكن صلاح الدين كان صادقا مؤمنا واضحا وصاحب هدف واضح، فهو لم يكن عنده مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وهو ما يحصل الآن بامتياز على الساحة الفلسطينية التي تحولت إلى مستنقع بشع يفرز طفيليات مكونة كائنات غريبة تتبنى كذبا وزورا أشرف قضية وتتاجر باسمها، ولكن سرعان ما تمضي الأيام وتنكشف الحقائق وتسقط الأقنعة فيتكون الحجم الحقيقي لهم بلا شك ولا زيف ولا تجميل.

الشعوب المستعبدة لا يمكن أن تحرر غيرها، والقيادات المزيفة لا يمكن أن تقود غيرها، وهي مسائل يثبتها لنا الزمن.

نكبة فلسطين تذكرنا بنكبات أخرى، والنكبة نتاج نكبات، فالسلسلة واحدة ومرتبطة بعضها ببعض.