هل نشهد تصعيدا للحرب الإقليمية في سوريا؟

TT

بعد التطورات القتالية والمكاسب التي حققتها قوات النظام السوري في منطقة القصير وبعض ضواحي دمشق، وتزايد الكشف عن دور قوات حزب الله، وفقدان الجيش الحر لزمام المبادرة - في المرحلة الحالية - في مناطق العمليات الساخنة، اعتبر رئيس أركان الجيش الإيراني أن المعارضة «هزمت» أمام ما سماه «المقاومة السورية واللجان الشعبية والجيش النظامي». وفشلت الجهود الغربية في زحزحة موقف القيادة الروسية التي يحتمل قيامها برفع القيود عن تزويد النظام السوري بصواريخ «S300» المضادة للطائرات والصواريخ أرض – أرض، رغم الاعتراضات الأميركية والإسرائيلية المستمرة، لما يمكن أن تحدثه من نقلة نوعية في الدفاع الجوي السوري، قد تؤثر على برامج التدخل العسكري المحتمل.

من الناحية العسكرية المجردة، حققت كفة النظام تقدما على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ولم يظهر نقص في مستويات القصف والعمليات، مما يدل على تدفق مستمر للسلاح والعتاد، من قبل روسيا وإيران حليفي النظام القويين المتمسكين بموقفيهما المعلنين، فضلا عن تزايد القوة البشرية العسكرية الموالية للنظام. وفي المقابل، لم تظهر تجهيزات قتالية حديثة يعول عليها لدى كتائب «الجيش الحر» والتشكيلات القتالية المعارضة الأخرى، وكل ما قيل عن تجهيز ومعدات لم يتعدَ المواقف الاستهلاكية الواقعة على أقل تقدير تحت ضغط بيروقراطية قرارات السماح بتسليح قوات المعارضة، والتلكؤ الغربي خشية وقوع السلاح في أيد غير موالية لمصادره.

وتشكل نشاطات حزب الله في سوريا، والتفجيرات التي طالت أهدافا مدنية في مدينة الريحانية التركية، والقصف الجوي الإسرائيلي لمواقع عسكرية في دمشق، تطورات مهمة في حالة الصراع، واتسم رد وزير الإعلام السوري على الاتهام التركي للنظام السوري بتدبير هجمات الريحانية، بلهجة أقرب ما تكون إلى التحدي والاستعداد للتصعيد المقابل، حيث حمل الحكومة التركية مسؤولية الهجمات بسبب مواقفها تجاه الأزمة السورية. وبقي رد الفعل التركي كلاسيكيا ويعكس تجنب القيادة التركية اتخاذ قرارات عسكرية منفردة، لأنها لا تريد تحمل مسؤوليات أكبر مما تضطلع به حاليا، ضمن السياق العام لسياسة الدولة.

وطبقا لحركة الأحداث والمعلومات، فإن من المتوقع حدوث تطورات نسبية على مستوى تسليح قوات «الجيش الحر»، ومساعدته في جوانب المناورة والتخطيط، لإعادة تغيير معادلات المبادأة وشن عمليات إرباك للتأثير على توازن قوات النظام وقراراته. وعلى مستوى النشاطات المقابلة أيضا تبدو الساحة التركية أكثر عرضة لهجمات تجاه التجمعات المدنية، لصعوبة الوصول إلى مواقع عسكرية، خصوصا بعد الاتفاق التركي مع حزب العمال الكردستاني بالانتقال من الأراضي التركية إلى كردستان العراق. ومثل هذه الهجمات قد تدفع الولايات المتحدة إلى التجاوب مع الضغوط التركية والعربية للقيام بفعل ما يجرد النظام السوري من مزايا التفوق القتالي، التي بات من الصعب توقع تآكلها سريعا على يد قوات المعارضة المسلحة، بسبب الدعم المفتوح للنظام من قبل حلفائه.

وتحاول الإدارة الأميركية الوصول إلى مبرر دامغ للتدخل، لمجابهة حالة الاستعصاء واحتمالات انتقال العنف إلى خارج سوريا، ويبدو أن موضوع الأسلحة الكيماوية هو المنفذ الأوسع المؤدي إلى قرار التدخل، حيث دأبت واشنطن على تجديد الحديث عن الموضوع باستمرار، فضلا عن أن هجمات إسرائيلية جديدة قد تقابل بردود فعل صاروخية خروجا عن قاعدة عدم الرد المعتادة، وهو ما يعني المزيد من التصعيد خارج الأطر الحالية حتى الآن. ولا يستبعد ظهور مؤشرات لجماعات مسلحة لبنانية أو إيرانية أكبر على الساحة السورية، سيكون من الصعب التكتم عليها، بسبب التباين الكبير في مجريات العمليات القتالية والتطورات على الأرض عما كانت عليه في الفترات الماضية.

وسواء نجحت الجهود الثلاثية الأميركية - البريطانية - الروسية لعقد مؤتمر جنيف 2 أم لم تنجح، فإن العمليات القتالية ستزداد ضراوة في مناطق دمشق ودرعا وحمص لأسابيع عدة على الأقل. ولم تعد حلب بعيدة عن احتمالات التصعيد، إلى جانب الهجمات الجوية والصاروخية المستمرة. غير أن من المستبعد أن تؤدي المعارك إلى شكل من أشكال الحسم قريبا، وتبقى عناصر التدخل الإقليمي مستمرة، وستترك هزيمة أي من الطرفين الإقليميين أثرا كبيرا على مستقبل المنطقة. وفي ظل هذه الأوضاع المتشابكة التي أصبح من الصعب التكهن بنهاياتها، يعيش اللاجئون السوريون حياة بالغة القسوة داخل سوريا وخارجها، وأظهرت الشعوب العربية لا مبالاة غريبة حيال أزمتهم المعيشية.