أحرج تسديد ديون بعد أغرب تحالف

TT

ثمة خشية مشروعة في ضوء التطورات السورية وكيف أن حزب الله دشن بإرساله مقاتلين إلى بعض المناطق السورية لنصرة النظام في مواجهة المعارضة السورية المقاتلة خصوصا «الجيش الحر» و«تنظيم النصرة»، ما يجوز تسميته «تسديد ديون للنظام البشَّاري على حزب الله». واستنادا إلى هذه الخطوة، يصبح بالتالي من المحتمل أن تحذو حذوه بقية الأطياف اللبنانية بشَّارية الهوى والعلاقة لتسديد ما للنظام المبتلى بمحنة تهدد بقاءه، من ديون معنوية وسياسية ومصالح مشتركة عليها، فترسل هذه الأطياف مقاتلين ينتمون إلى «جيوشها» مع تنوع هذه «الجيوش» لجهة التدريب والعدد والعتاد، إلى مناطق في سوريا يؤدون واجب «الرد على المساندة» في سنوات السبعينات والثمانينات وحتى الانسحاب العسكري من لبنان. وبعد هذا الانسحاب، أدت هذه الأطياف خدمة «رد الجميل» بتدعيم معنوي وسياسي للنظام البشَّاري وعلى حساب استقرار لبنان واقتصاده. لكن الوضع الآن وفي ضوء نصرة حزب الله للرئيس بشار الأسد في معركته مع المنتفضين عليه، بات من المفترض فيه رفع منسوب التدعيم بحيث لا يبقى معنويا فقط، وعندها، وفي ضوء إعلان تغيير مفاجئ، يصبح متوقعا سماع أنباء مفادها أن كتيبة من «حركة أمل» وأخرى من «تيار المردة» وثالثة من «التيار الوطني الحر» ورابعة من «الحزب السوري القومي» وخامسة من تجمعات مدنية وسياسية وعسكرية سابقا، شكلت كتيبة انضمت إلى قوافل اللبنانيين سوريي الهوى وبدأت الصولات على الأراضي السورية ضد المنتفضين على النظام السوري.

ربما نجد من يستغرب حدوث مثل هذا المشهد، لكن هذا لا يعني استبعاد حدوثه. فالذي قدمته سوريا الأسد ابنا بعد أب لعشرات الذين ما كانوا ليتبوأوا أو يحكموا أو يتزعموا أو ينعموا بثروات تزامنت مع المكانات التي تحققت وبصرف النظر عما إذا كانت هذه الثروات لحساب الطرفين بالتساوي أو احتساب نسبة منها لأصحاب المكانات.. إن الذي قدمته سوريا الأسد لهؤلاء يستوجب في نظر الرئيس بشار، وإن كان لا يقال ذلك على الملأ، أن يتصرف هؤلاء وفق قاعدة المثل الشعبي: «القرش الأبيض لليوم الأسود»، وليس هنالك ما هو أكثر قتامة من السواد الذي يعيشه النظام الأسدي ابنا بعد أب، الذي قدم إلى الأطياف اللبنانية المشار إليها القرش الأبيض.

وفي ما يخص حزب الله الذي بادر إلى نصرة النظام الحليف، فإن الذي فعله بإرسال عناصر مدربة أفضل تدريب إلى مناطق في سوريا، هو القليل من الكثير الذي من تحصيل الحاصل فِعْله؛ إذ لولا سوريا الأسد كيف كان حزب الله سيصل إلى ما وصل إليه.. فهي المحطة «الترانزيت» التي يتجمع فيها السلاح الآتي من الثورة الإيرانية، وهي الملاذ الآمن لرجال النخبة في الحزب من مدنيين وأمنيين عدا استثناءات؛ أكثرها أهمية استثناء واقعة الحاج عماد مغنية.

كما أن سوريا هي التي اعتمدت حزب الله بندا غير قابل للاستبدال أو التهميش الجزئي في المعادلة كثيرة التعقيد للحكم في لبنان، وإلى درجة أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بات فعليا رمز دولة لبنان الآخر؛ بل، وقياسا بما انتهى إليه الشأن العسكري للحزب، بات في أهمية الرموز التي تشغل المناصب الرئاسية الثلاثة.

والحديث حول مقتضيات نصرة حزب الله لنظام بشَّار الحليف، التي هي، إذا جاز القول، أحرج حالة تسديد ديون استحقت، يقودنا إلى القول إن التحالف المستغرَب حصوله بين حزب الله والجنرال ميشال عون يفرض على الجنرال هو الآخر تسديد ديون استحقت أيضا كون الوقفة السياسية من قبل بشَّار الاسد مع الجنرال بأهمية الوقفة السياسية - التسليحية مع حزب الله. أما لماذا النصرة من جانب الحزب هي أحرج حالة تسديد ديون، فلأنها أفقدت الحزب بريق مكانته في الوجدان كمقاومة، وأدخلت في النفوس السورية واللبنانية على حد سواء نوعا من الخشية من عداوة بين شعبين في حال بدأت ستبقى دائمة ولا يصلحها العطارون السياسيون. وأما لماذا التحالف الذي نشير إليه يتسم بالغرابة، فلأن حزب الله يرفع راية المقاومة التي باتت عمليا جيشا، فيما الجنرال عون لا ينادي بغير الأمور الداخلية ولم تتضمن أدبيات تياره ما يشير إلى الإيمان بالمقاومة، فضلا عن أن جماهير التيار العوني ليست فقط لا تؤمن بالمقاومة؛ وإنما هي في هذا الموضوع تلتقي مع سائر الأطياف المسيحية، وبالأخص المارونية، في النأي بالنفس عن المقاومة، وتنحصر طموحاتها في الداخل اللبناني.

لكن رغم كل هذه الاعتبارات والمقتضيات، فإن مبدأ تسديد الديون من جانب الجنرال عون للنظام السوري وارد، وربما نسمع عن إرسال أفراد من تياره لحماية الكنائس والمراكز المسيحية في سوريا في حال ارتكب إسلامويون متشددون من «النصرة السورية» أو غيرها تعديا على هذه الكنائس والمراكز أو على رجال دين مسيحيين. وهنا يصبح واجب «الأفراد الجهاديين العونيين» مثل «الواجب الجهادي» الذي قام به أفراد من حزب الله في محيط مقام السيدة زينب.

ونختم بالقول إن هذا الذي أوردناه هو القليل من الكثير الذي يقرأه المرء في المشهد الدرامي القاتم الذي بلغت قتامته حد أن نظام الاسد لم يجد بعد العدوان الجوي الإسرائيلي من يهب إلى نجدته عدا بعض عبارات التنديد التي لا تردع عدوا، في حين أنه يوم كان حال النظام على غير ما بات عليه؛ نهجه وتحالفاته وأسلوب تعامله المتعقل مع الأشقاء ومع المجتمع الدولي، كان إذا أصابه الأذى يجد من يلتف حوله، بل إن مصر خاضت ذات حزيران من عام 1967 حربا بعدما قالت لها سوريا إن إسرائيل تهددها. وفي ذلك الزمن، كانت سوريا هي المثقلة بالديون المعنوية والمالية للأشقاء، ثم انتهت إلى ما هي عليه الآن. ويا لتلك الكارثة بالنسبة إلى لبنان في حال فشلت المحاولة الأميركية - الروسية لتحقيق تسوية، وقررت سوريا الاسد بمساعدة إيرانية - روسية، نتيجة رجحان كفة المعارضة وتسليحها نوعيا، نقْل المواجهة إلى لبنان فتخوض منه مع المدينين (حزب الله وبقية سوريي الهوى) المواجهة ضد النظام البديل في سوريا بأمل إعادة ترئيس بشار الأسد الذي يكون في هذه المرحلة ضيف القوى المشار إليها في لبنان.

حمى الله لبنان من الخطر الكبير، وأبعد الخطر الأكبر عن سوريا.