هل هناك شيء يعوض الفقد؟!

TT

لا أدري هل أنا الذي يمسك بالقلم، أم أنه هو الذي يمسك بي؟! هل أنا الذي أتشبث به، أم أنه هو الذي تحول بيدي إلى سكين تكاد تقطع أوصالي؟!

مهما كتبت ومهما حكيت ومهما شكوت ومهما بكيت ومهما صغرت الدنيا عندي، ومهما كبرت وطالت واستطالت وطارت، لا تساوي عندي في هذه اللحظة حتى ولا قلامة أظفر.

الموت حق، هذا صحيح، ولكن الفقد قاس ورهيب، لا شيء يعوض الفقد حتى لو وضعت خزائن الأرض تحت قدميك.

لست إنسانا متمردا، ولكنني إنسان حزين حزين حزين! ومن هو الذي لا يحزن بفقد الحبيب؟!

لك الله يا أيتها الدنيا التي أمدتنا بالأمل، ثم في غمضة عين سلبته منا، وفوق ذلك كله فقأت أعيننا بمخرز من نار!

لك الله يا أيتها الدنيا غير المأسوف على شبابها وبهرجاتها ومراوغاتها ومخاتلاتها ومفاجآتها وصدماتها، كم أنت خداعة خداعة!

كم أنا آسف وأسيف، أن أسفح دموعي أمامكم، وأنا الذي كنت دائما أتمنى أن أفقد البقية الباقية من عمري لكي أجلب لكم ولو طيفا بسيطا من ابتسامة هاربة، ولكن ماذا أقول وغيوم الأرض كلها مع غربانها تكالبت عليّ اليوم من كل جانب؟! فأرجوكم المعذرة ثم أرجوكم المعذرة.

ولكن فعلا ماذا أقول وأنا الوحيد الشريد الطريد أقلب وجهي بالسماء لا أبحث عن شيء سوى رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء؟!

لا أستطيع أن أتخيل أن كل الأحلام والذكريات والضحكات والممازحات تشطب هكذا دفعة واحدة وبجرة قلم، فأي أمان وأي عاصم بعد ذلك يجمعنا من تقلبات الزمان الواقف لنا دائما وأبدا بالمرصاد؟!

أعرف أن الدور لا بد أن يأتينا إن لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد، أعلم ذلك جيدا، وأعلم أن الأشجار تموت وهي واقفة، وأعلم أن الكبير لا بد أن يفطم يوما من لذة الحياة مثلما يفطم الرضيع يوما من ثدي أمه، وأعلم أن العذاب يتغلغل بالقلب مثلما يتغلغل الغرام بالقلب تماما، وأعلم أن اليوم الذي يذهب لا يعود مرة ثانية مهما حصل، حتى لو مزقنا ثيابنا ومعها صدورنا كذلك.

من الصعب أن أشاهد السطور التي هي أمامي الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، ومن الصعب أكثر أن أعيد قراءتها مرة ثانية، فكلامي هو مثل رثائي، مثل حياتي كلها وعن بكرة أبيها، ما هي إلا هباء في هواء في ليلة عاصفة.

فيا أخي ويا حبيبي سلمان، انتظرنا أو لا تنتظرنا، فنحن قادمون.

ورحم الله والدي وصدق عندما قال:

الناس بالأيام راحل ونزال

تفجعهم الأيام وهم دالهينا.

[email protected]