ثلاثة عوامل لإنقاذ المحادثات النووية الإيرانية بعد انتخابات يونيو الرئاسية

TT

ينتظر الغرب بشغف بالغ نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في يونيو (حزيران) القادم، لمعرفة قادة طهران الجدد الذين سيتعاملون معهم خلال الفترة القادمة، فما زالت القضية النووية تحتل، من دون شك، أولوية قصوى لدى القوى العالمية وإيران.

لم تسفر معارضة القوى العالمية لحقوق إيران المشروعة بتخصيب اليورانيوم، وفق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية على مدى أكثر من 10 سنوات من المفاوضات، عن أي نتيجة، ومن ثم واصلت القوى العالمية تكثيف الضغوط على إيران للرضوخ لمطالبها، لكن الوقت قد حان لإلقاء نظرة متجددة على الوضع الراهن.

وقد أجرت إيران أخيرا جولتين من المحادثات في فيينا وإسطنبول يوم 15 مايو (أيار) بهدف التوصل إلى حل للمأزق النووي. ورغم وصف المحادثات بين منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، سعيد جليلي، في إسطنبول بـ«المفيدة»، فإنه لم ترد أنباء عن حدوث أي تقدم. كما فشلت المحادثات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في طهران في تحقيق أي تقدم. وقال نائب المدير العام للوكالة هيرمان ناكارتس بعد الاجتماع لمدة 8 ساعات في طهران: «أجرينا مناقشات مكثفة اليوم، ولكن لم ننته من وثيقة النهج المنظم التي كانت قيد التفاوض منذ سنة ونصف السنة».

في الوقت ذاته هناك بصيص من الأمل في تحقيق انفراجة في العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة وإيران منذ ثورة عام 1979. وهناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تزيد من فرص هذا النجاح، من بينها إعادة انتخاب الرئيس أوباما، وفريقه الجديد في البيت الأبيض، وأبرزهم وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل، إضافة إلى تصريحات نائب الرئيس جو بايدن الأخيرة حول إجراء مفاوضات مباشرة مع طهران. أضف إلى ذلك تشديد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي على أن إجراء محادثات ذات مغزى مع الولايات المتحدة يجب أن تكون من دون ضغوط أو تهديدات أو رسائل جوفاء، بل مدعومة بإجراءات بناءة حقيقية لإثبات حسن النية.

سيذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع بعد أقل من شهر لانتخاب رئيس جديد. ولم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس الإيراني الجديد هو من سيحدث هذه الانفراجة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة والجمود النووي.

حل المعضلة النووية الإيرانية يتمثل في فتح الباب لحوار سياسي موسع بين الولايات المتحدة وإيران يهدف إلى الحد من عقود من عدم الثقة. وإذا استمر النهج الحالي في المفاوضات النووية، فهناك أمل ضئيل في أن تسفر المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 5 + 1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين بالإضافة إلى ألمانيا) بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن نجاح ممكن. والسبيل الأمثل للخروج من هذا المستنقع هو إعادة التفكير في ثلاثة عوامل رئيسة يمكنها إعادة توجيه الجمود الحالي نحو تحقيق تقدم.

العامل الأول، هو تغيير التركيبة المختلة الحالية في محادثات مجموعة 5 + 1 أو EU3+3 مع إيران. هناك عدد كبير جدا من اللاعبين القادرين على التهدئة والتوصل إلى نتيجة مرضية. وقد أبرزت تجربة المفاوضات في السنوات الأخيرة البيروقراطية الفطرية التي شابت المفاوضات واعتبرتها غير مجدية بدءا من التفاصيل التافهة وحتى مسودة الاتفاق.

بدأت المفاوضات النووية الأولى في الفترة بين عامي 2003 و2005، كنت أشغل حينها منصب المتحدث باسم الفريق النووي الإيراني، وأشارك في المفاوضات مع مجموعة EU3 (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لكنها فشلت بسبب الغياب الأميركي الذي حال دون التوصل إلى حل دائم. ولدى بدء المحادثات في بداية رئاسة أحمدي نجاد، اختارت واشنطن الشروع في حرب اقتصادية وسرية أحادية ومتعددة الأطراف ضد إيران. غير أن هذا التصرف غير المنطقي رسخ عدم الثقة، وأدى إلى تفاقم حدة التوتر والتعقيدات التي تواجهها المفاوضات، وقوض في الوقت نفسه من قدرة الإدارة الأميركية على إلغاء هذه التدابير وتخفيف العقوبات طمعا في تحقيق تقدم دبلوماسي. الخيار الأفضل لتغيير الجمود الحالي من المحادثات النووية هو عقد محادثات ثنائية مباشرة بين واشنطن وطهران، مع استمرار اطلاع أعضاء مجموعة 5 + 1 على أحدث التطورات. ينبغي أن يكون أساس التفاوض المقترح الروسي «خطوة بخطوة» الذي طرح في صيف عام 2011. ويعالج الاقتراح الروسي، الذي كان في الأصل مقترحا أميركيا - روسيا، كلا من مطالب إيران من المجتمع الدولي، ومطالب مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وذكر موقع الرئاسة أن إيران «ترحب بالاقتراح الروسي وعلى استعداد لتقديم مقترحات للتعاون».

العامل الثاني هو الاعتراف بأن الخلاف بين الوكالة وإيران تقني في طبيعته، على الرغم من الصبغة السياسية للملف. والإيرانيون ليس لديهم مشكلة في تطبيق التزاماتهم بموجب اتفاق ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. لكن الخلاف يكمن في طلب وكالة الطاقة الذرية القيام بعمليات التفتيش تدخل في إطار البروتوكول الإضافي، بل وتتخطاه. لن تقدم إيران مثل هذه التنازلات دون تنازلات مماثلة من الوكالة، التي لا تملك سلطة عقد مثل هذه الصفقة. ولم تسفر دعوات طهران لإجراء مزيد من المفاوضات مع الوكالة الدولية إلا عن نتائج عكسية في ظل غياب الأدوات السياسية المناسبة للمضي قدما في تحقيق طلبات للوكالة، وهو ما يفسر سبب فشل المفاوضات السابقة مع إيران. مثل هذه الإخفاقات التي لا يمكن تجنبها تعوق أيضا إجراء مفاوضات أوسع نطاقا مع مجموعة 5 + 1.

والعامل الثالث، هو نوع النهج الذي يمكن من خلاله التوصل إلى تسوية. فمنذ بداية المحادثات النووية في عام 2003، تصر القوى العالمية على سياسة «تجزئة القضايا» بدلا من تبني اتفاق شامل يهدف إلى إنهاء الأزمة. هذا التردد ينذر بفشل أي محادثات مستقبلية، حتى وإن عقدت في واشنطن أو طهران أو ألماتي، أو إسطنبول أو حتى القمر.

تقديم عرض جاد وشامل أمر حيوي. وللنجاح في المحادثات النووية، ينبغي على القوى العالمية وإيران التوصل إلى اتفاق يتضمن جميع المطالب الرئيسة لكلا الطرفين. نهاية الأزمة بالنسبة للقوى العالمية، هو الحصول على ضمانات بالتزام إيران بأقصى مستوى من التعاون مع وكالة الطاقة الذرية والشفافية وضمانات بعدم تحول برنامجها النووي نحو التسلح في المستقبل. أما نهايتها بالنسبة للإيرانيين، فهي الاعتراف بحقوق تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم الانتشار ورفع العقوبات.

من خلال هذه العوامل، سيتمكن الرئيس أوباما في ولايته الثانية والرئيس الإيراني الجديد من كسر الجمود في الأزمة النووية وتمهيد الطريق أمام واشنطن وطهران للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك والمصلحة المتبادلة، التي تشمل الاستقرار في أفغانستان والعراق وسوريا؛ وأمن الطاقة في الخليج العربي؛ ومحاربة الاتجار بالمخدرات؛ التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف؛ وإحياء الروابط الاقتصادية والثقافية.

* سفير إيراني سابق والمتحدث باسم المفاوضين النوويين الإيراني، والأستاذ في كلية وودرو ويلسون بجامعة بريستون. وأحدث كتبه «الأزمة النووية الإيرانية: ذكريات» والذي نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي