المساهمات العربية في الحضارة المعاصرة

TT

اقتبسنا الكثير من مفاهيم الحياة الغربية. وجلها يعود للإغريق القدماء. تأتي الديمقراطية في المقدمة، وهي تتكون من الكلمتين ديموس (الشعب)، وكراسي (الحكم). كذلك الحال مع الأوتوقراطية، حكم الفرد، والبيروقراطية، حكم المكاتب، الحكم الذي يتوقف فيه كل شيء على الروتين الحكومي من أوراق وملفات ووثائق وتواقيع. لا تحصل على ما تريد حتى تمتلئ عريضتك بعشرات التواقيع والأختام وتقضي شهورا تجري وراءها. تماما كما يجري عندنا، ولكننا في أكثر الأحيان نضيف البقشيش، صغيرا أو كبيرا، كعنصر إضافي للبيروقراطية، نتميز به عن الآخرين.

بيد أننا في السنوات الأخيرة قد أبدعنا في خلق مفاهيم جديدة في أنماط الحكم. هناك «الملاقراطية». وأعتز بأنني ربما كنت أول من صاغ هذا الاصطلاح في الإشارة إلى حكم الملالي في إيران بعد سقوط الشاه. ويبدو أن الكثير من البلدان العربية قد باشرت باتباع هذا النمط من الحكم السياسي. التقيت أحد الملالي في لندن مؤخرا. بادر للاعتذار عن لبسه العمامة، أو «السيدية» كما سماها هو. قال إنني ألبسها ليستمع لي المسؤلون ويلبوا طلباتي. من دونها أصبح مجرد أفندي لا يعبأ بي أحد. قلت يا سبحان الله! كان الأفندي هو صاحب القول والصول والحول. لكن هذا كان زمان وفات. نعيش الآن في زمن الملالي.

وقد أدخلنا الآن اصطلاحا جديدا للعلوم السياسية. لفت أنظارنا إليه مراسل جريدة «الإندبندنت»، باتريك كوبرن، بعد زيارته للعراق. وهو أيضا مشتق من الإغريقية، كلبتوقراطية (Cleptocracy)، والمقصود به حكم الحرامية؛ كلبتس (cleptes) تعني حرامي عند اليونانيين. وقد وصف المراسل الإنجليزي هذا النوع من الحكم بأنه يتضمن الاختلاس من أموال الدولة والارتشاء من جيوب الرعية ثم دفع خمس المبلغ لبعض الملالي الذين باتوا يعتبرون أنفسهم من أهل البيت النبوي، وبالتالي يستحقون الخمس. وحالما يتسلمون الخمس يحللون للحرامي سرقته ويعدونه بالجنة، فيحتفظ هو بالأربعة أخماس الباقية يعيش عليها منعما في سويسرا أو الرفييرا أو باريس.

الطريف في الكلبتوقراطية أنها تضمن للكلبتوقراط الدنيا والآخرة. ينعم بالأربعة أخماس في الدنيا ويدخل الجنة كما وعدوه بفضل الخمس الذي أعطاه للملا. وهكذا يمكن أن نقول إن الكلبتوقراطية تطورت من «الملا قراطية». أدخلهما يا سيدي في قاموسك. ولا تنس فنحن نعيش في ظلهما.

ويعتقد أنها ترتبط بنظام آخر هو الأميوقراطية، وهو تشويه للديمقراطية يعتمد على أصوات الأميين الجهلاء الذين ينتخبون نوابا يزيدونهم جهالة على جهالة. ومن تطبيقاته نظام الغوغاقراطية حكم الغوغاء. وكما اعتبرت الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية تعتبر الغوغاقراطية أعلى مراحل الأميوقراطية. وكان الإمام علي أول من نظر في الموضوع عندما سألوه من هم الغوغاء؟ فقال: قوم إذا تجمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا. ضمها للقاموس يا سيدي.. الغوغاقراطية: نظام سياسي طوره العرب بعد حصولهم على الاستقلال.