من سيكون الرئيس القادم لإيران؟

TT

يتسم المشهد السياسي والاجتماعي الإيراني بالتعقيد بعض الشيء. وفي الحادي عشر من مايو (أيار) الجاري، وقبل دقائق من انتهاء الموعد المحدد، وصل هاشمي رافسنجاني إلى مقر وزارة الداخلية، وقدم أوراق ترشحه لخوض سباق الانتخابات الرئاسية. وفي حقيقة الأمر، كان هذا بمثابة نقطة تحول في الانتخابات الرئاسية في إيران، فمن الواضح أن رافسنجاني هو أذكى الساسة الإيرانيين وأبرزهم على الساحة السياسية. والآن، وهو في بداية العقد التاسع من عمره، وكسياسي له ثقل كبير على الساحة الدولية، يريد رافسنجاني القيام بدور مؤثر، ليس فقط في إيران، وإنما في المنطقة بأسرها.

وحتى الآن، قام رافسنجاني بنشر تصريحين يتسم كل منهما بعمق التفكير، حيث ذكر الناس في التصريح الأول بدوره كقائد عام خلال الحرب الإيرانية - العراقية التي امتدت لثماني سنوات، مشيرا إلى أنه قام خلال السنوات التي تلت الحرب بقيادة الحكومة التي أعادت بناء الدولة، وأنه سيقوم الآن بإعادة بناء الدولة بعد ثماني سنوات أخرى من الدمار الاقتصادي والثقافي والسياسي. وقال رافسنجاني في هذا التصريح: «سوء الإدارة في بلدنا دمر كل شيء».

والغريب أن أكثر من 650 شخصا قدموا أوراق ترشحهم للانتخابات الرئاسية الإيرانية حتى الآن! وأعتقد أن ترشيح رافسنجاني قد أصاب ثلاث مجموعات بالصدمة؛ الأولى هي جماعة المحافظين، الذين دخلوا في بعض التحالفات، ولكن لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم وخططهم لأنهم كانوا يعتقدون في البداية أنهم سيجتمعون على مرشح واحد يمثلهم في نهاية المطاف، قبل أن يقرر كل منهم خوض السباق الرئاسي!

أما المجموعة الثانية فهي إدارة الرئيس أحمدي نجاد، التي أصبح لها مرشحها الخاص وهو رحيم مشائي، في حين تتمثل المجموعة الثالثة في آية الله مصباح، الذي دائما ما كان أهم مؤيد لأحمدي نجاد خلال الفترة بين عامي 2004 و2008، وبات الآن مؤيدا لوزير الصحة السابق باقر لانكاراني. وثمة شخص آخر أدى إلى تغيير قواعد اللعبة لكل من المحافظين وإدارة الرئيس أحمدي نجاد، وهو سعيد جليلي أمين مجلس الأمن القومي العراقي وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين. ومثله مثل هاشمي رافسنجاني ومشائي، قدم جليلي أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في اللحظات الأخيرة.

ويقال إن جليلي هو المرشح المفضل لخامنئي، لأنه مقرب للغاية من كل من خامنئي والحرس الثوري، علاوة على أن حداد عادل قد صرح بأنه قد ينسحب من السباق الرئاسي. حداد عادل هو كبير مستشاري خامنئي ووالد زوجة مجتبى خامنئي، وهي ما قد تبدو مؤشرات واضحة على أن مرشح خامنئي هو جليلي.

ويبدو أننا نواجه منافسة شرسة بين ثلاثة تيارات أو جماعات، تتمثل الأولى في الإصلاحيين وبعض المحافظين الذين يدعمون هاشمي رافسنجاني، فعلى سبيل المثال، يقوم أسد الله بادامجان، وهو رئيس المكتب السياسي لحزب المؤتلفة، بدعم رافسنجاني، كما يقوم النائب المعروف علي مطهري بدعم رافسنجاني، ويقال بأنه سيكون المتحدث الرسمي باسم حملة رافسنجاني الانتخابية.

وبموجب المادة 115 من القانون الدستوري الإيراني: «يجب أن يتم انتخاب الرئيس من بين الشخصيات الدينية والسياسية، وأن يمتلك المؤهلات التالية: أن يكون من أصل إيراني، وأن يكون إيراني الجنسية، وأن يكون لديه القدرة الإدارية والحنكة السياسية وماض جيد وقدر كبير من الثقة والتقوى والإيمان الراسخ بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والعقيدة الرسمية للبلاد».

ومن بين المرشحين المعروفين، فإن هذه المعايير تنطبق تماما على رافسنجاني، حيث قام، على سبيل المثال لا الحصر، بنشر تفسير رائع للقرآن الكريم في 25 مجلدا بعنوان «تفسير راهنما». ويتميز هذا التفسير بأنه فريد من نوعه لأنه عبارة عن أفكار، ولا يعتمد على سرد الاقتباسات، بل هو نتاج عمل رافسنجاني عندما كان في السجن قبل الثورة. وبالإضافة إلى ذلك، نشر رافسنجاني أكثر من 10 مجلدات من مذكراته السياسية، وهو ما يعد دليلا قويا على شخصيته السياسية القوية.

لكن التساؤل الكبير الذي يثار حاليا هو: هل ستقبل الدولة هاشمي رئيسا جديدا؟

عندما أستخدم مصطلح الدولة فأنا أقصد به التمييز بين الدولة والحكومة في إيران، فالرئيس هو رئيس الحكومة، لكن القائد - الولي الفقيه - هو رأس الدولة. ومصادر السلطة الرئيسية، التي تضم الحرس الثوري والجيش والتلفزيون ومجلس صيانة الدستور وقوات الأمن والنظام القضائي جميعها تحت إمرة المرشد الأعلى. أما الرئيس فهو المشرف على الوزارة، لكن هذا لا يعني سيطرته على الوزارات الخمس السيادية: الداخلية والدفاع والثقافة والإرشاد الإسلامي والأمن والإعلام والعلاقات الخارجية، التي يشترط موافقة المرشد الأعلى على اختيار قادتها.

بعبارة أخرى سيكون المرشد هو صاحب القرار، ولذا نصح آية الله خامنئي المرشحين بعدم الإدلاء بوعود لا يستطيعون الوفاء بها والحديث عن القضايا التي لا تدخل ضمن نطاق صلاحية الرئيس، والتي تشمل العلاقات الإيرانية - الأميركية والبرنامج النووي.

من جانبه انتقد آية الله جنتي، الذي لعب دورا رئيسيا في مجلس صيانة الدستور، في خطبة صلاة الجمعة يوم 17 مايو المرشحين، وقال إن وعودهم أشبه بمزحة.

هاشمي رافسنجاني سياسي ماهر يلعب بحرفية كبيرة، فقد أعلن أنه لن يشارك في الانتخابات دون موافقة خامنئي، ويقال إنه بعد مكالمة هاتفية قبل ساعة من الموعد النهائي قرر تسجيل اسمه كمرشح، لكن المتشددين أنكروا هذا الزعم.

علاوة على ذلك، بدأ المرشحون الآخرون المقربون من المرشد الأعلى وصحيفة «كيهان» في انتقاد هاشمي، ففي مقالها الافتتاحي، عقب تقدم رافسنجاني بأوراق ترشحه، وصف شريعتمداري، ممثل آية الله خامنئي ومدير ورئيس تحرير صحيفة «كيهان»، هاشمي بـ«الخائن». استخدم هذا العنوان في السابق لوصف الرئيس محمد خاتمي والإصلاحيين، لكنه لم يمس هاشمي.

إضافة إلى ذلك، انتشرت أنباء عن أن نحو 100 عضو في البرلمان كتبوا رسالة إلى مجلس صيانة الدستور وطلبوا منه عدم الموافقة على رافسنجاني.

أعتقد أن القوى التي تعبث خلف الستار تعد خطة لتحقيق أربعة أشياء: الأول أنهم يرغبون في خلق جو سلبي، وبالتالي يغير هاشمي رافسنجاني رأيه وينسحب من المشهد. الثاني أنهم يريدون تدمير شخصيته ورؤيته يخسر الانتخابات. والثالث أنهم يحاولون خلق جو ملائم حتى يتمكن مجلس صيانة الدستور من استبعاده. وأخيرا يريدون تكرار سيناريو عام 2004، حيث سيتم اختيار جليلي وقاليباف ورافسنجاني لخوض سباق في الجولة الأولى، ثم يخسر رافسنجاني في انتخابات الجولة الثانية.

ويبدو لي أننا قد نشهد حركة وطنية جديدة في إيران، حركة إصلاحية ثانية (أو 23 مايو 1997 عندما انتخب خاتمي بأكثر من 20 مليون صوت).

وقال آية الله غرويان - أحد رجال الدين المقربين من مصباح - أخيرا إن غالبية آيات الله ورجال الدين في قم يدعمون هاشمي رافسنجاني، وهو ما يشكل مؤشرا بالغ الأهمية.