أوباما حائر.. والحائر مخيف!

TT

الرئيس الأميركي باراك أوباما، مشكلته تكمن في كلمة واحدة: التردد.

الرجل كثير التنظير، مشوش، فاقد للعزيمة، خلاصة سياسته، كما يبدو، تكمن في مخالفة أي سياسة اتخذها سلفه جورج بوش الابن! وهذه طبعا ليست سياسة، بل مناكفة.

هذا التقويم لسياسة أوباما، ليس صادرا من خصومه فقط من الجمهوريين في أميركا، أو من كارهي بعض سياساته العالمية، بل حتى من بعض «المتعاطفين» مع تيار أوباما، مثل الكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس، الذي كتب مؤخرا ناقدا لسياسة إدارة أوباما، ليس في الشؤون الخارجية، وحسب، بل كان جوهر تركيز إغناتيوس، على سياسة أوباما الداخلية، فيما يخص الضرائب، وفيما يخص أزمة التجسس على الصحافيين، وأيضا طريقة التعامل الإعلامي لإدارة أوباما مع مسألة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، ومقتل السفير هناك.

إغناتيوس وفي جملة تلخص مشكلة منهج أوباما، قال إن العامة تخشى من الحكومة الضعيفة أكثر مما تخشى من الحكومة القوية!

لن نتحدث عن الناقدين العتاة لهذه الإدارة، سواء داخل أميركا أو خارجها، ويكفي الاطلاع على مقال أخير للكاتب الأميركي - اللبناني، فؤاد عجمي، فقد هاجم، بضراوة، رخاوة أوباما وفقدانه لصفات القيادة، وشجاعة اتخاذ القرار تحت الظروف الصعبة، خصوصا في موقفه من الكارثة السورية، ولن نتحدث كذلك عن هجمات الجمهوريين عليه، لكن نتحدث عن الناس الذين فرحوا لمقدم هذا الشخص، خريج هارفارد، الرجل الأسود، صاحب الأصول الإسلامية الأفريقية، ابن حسين أوباما، ليكون أكثر تفهما لواقع المجتمعات وطبيعتها في العالم الإسلامي والعربي. ولكن تبين في النهاية، ومع استفحال العجز الدولي في سوريا، بسبب أميركا أوباما، أن هذا الرجل عاجز عن القيادة، ويغطي فشله وجهله، بالحديث التنظيري الكثير والغزير، عن الخطوط الحمراء والزرقاء والبنفسجية.

في أزمة الهجوم على قنصلية أميركا في بنغازي، ومقتل السفير هناك، تعرض أوباما، ومن قبله وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، لهجمات حادة، وقيل إن إدارته قد أخفت الكثير من الحقائق عن الرأي العام، وهو يرد بأن هذه الاتهامات ليست إلا مزايدة سياسية من خصومه الجمهوريين، وربما هو صادق في هذا، فهذه طبيعة السياسة، لكن الأخطر أن يتم الربط بين ضعف أداء الإدارة الأميركية في التعامل الإعلامي مع هذه القصة، كما أقر بذلك ديفيد إغناتيوس، المقرب من أوباما، بسبب رغبة عميقة لدى الإدارة في عدم تسليط الضوء على الخطر الأصولي وإبعاد هذا الضوء عن «الربيع العربي». الرجل قد يكون صادق النية في الإيمان بالديمقراطية، ولديه عاطفة مع شعوب العالم الأخرى، خصوصا شعوب آسيا وأفريقيا، وأن مشكلة أميركا العالمية تنتهي بتحسين الصورة فقط، وتقدير الثقافات الأخرى، قد تكون له كل هذه المشاعر، لكن المشاعر شيء، والواقع شيء آخر، وليت الأمور تحل بالنيات الطيبة، لكان اللون الوردي هو الغالب.

مما يجسد لك فقر الرؤية لدى أوباما فيما يخص الأزمة السورية، مثلا، هو قوله أثناء استقباله لرئيس الحكومة التركي، رجب طيب أردوغان، قبل بضعة أيام، إنه لا يوجد «حل سحري» للأزمة السورية! بينما المطلوب هو «حل واقعي» للأزمة المستفحلة، وليس حلا سحريا. حل سياسي غير مثالي. الرجل هو من صعّب المسألة السورية، وجعل الجرح يلتهب، والدماء تنزف، والطباخين يكثرون، والأصوات تتعالى، والأشقياء يتدخلون، من ميليشيا حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية، إلى الشبان المجاهدين مع جبهة النصرة من كل حدب وصوب، هو – بالأساس - من يتحمل مسؤولية إيصال المسألة السورية إلى هذا الحد من التوهان والضياع. لولا تردد أوباما، وضعف بصيرته، ووهن عزيمته، وولعه بالشعبوية «التويترية» - كما يحب عقد مؤتمراته الصحافية فيه، لما أصبح «قيصر روسيا الثلجي»، فلاديمير بوتين، يحلم بهذا الدور ويكاد العالم الغربي يوكل إليه مهمة حل المشكلة في سوريا، ولما خرج بشار الأسد في حواره الأخير مع الصحيفة الأرجنتينية، ليقول إنه يشعر الآن ببداية تجاوز حدة الضغوط عليه، ولتصل العنجهية والاستهانة الإيرانية بالتصريح علنا بأن معركة سوريا هي معركتها، وتوعز إلى ضابطها اللبناني حسن نصر الله، الخروج علنا لشن المعركة وبداية «المقاومة»، ليس في حدود إسرائيل، بل مع السوريين في مدينة القصير، حيث يحاصر شبيحة الأسد، مع أتباع نصر الله، المدينة منذ فترة، وعلى مرأى من أوباما نفسه!

المفارقة، أن أميركا تعيش تحت ظل رئيس من أضعف رؤسائها: رؤية، وعزيمة، في حين تعيش روسيا تحت قيادة رجل شديد العزم، واضح الحزم. وتكون المفارقة أكثر ألما حينما ترى أنه يفترض بأميركا هذه أن تكون إلى جانب الثائرين على الأسد، في حين أن روسيا إلى جانب النظام، هنا يصبح الحلف عبئا أكثر منه عونا!

قرأت قبل أيام في مقابلة مع سفير لبنان السابق لدى الولايات المتحدة، رياض طبارة، مع مجلة «الشراع»، وهو يقرأ السياسة الأميركية تجاه سوريا، وكان مما قاله في مقارنة لاذعة: «الرئيس جورج بوش الابن كان يعمل من دون أن يفكر، بينما الرئيس باراك أوباما يفكر من دون أن يعمل».

المشكلة تبلغ نقطة حرجة، حينما يضع أوباما المقدمات المنهجية لولادة التطرف والعنف الديني بشكل نترحم فيه على «القاعدة»، أيام جورج بوش الابن، في نفس اللحظة التي يتوهم فيها أنه قضى على «القاعدة» من خلال قتل رجل يدعى أسامة بن لادن!

خطير جدا ما يجري في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وربما في حدود تركيا الجنوبية لاحقا، بسبب سياسة الانسحاب الكبير التي ينفذها أوباما، من دون ترو أو تأمل عميق. ما يجري في هذه البلدان، وربما أيضا في مصر وشمال أفريقيا، بصيغة أخرى، هو تدشين لمرحلة مرعبة من الإرهاب الديني، والحروب المذهبية والأهلية تأكل الأخضر واليابس، وتصبح عندها هجمات جماعات «القاعدة» في السنوات الماضية، ليست شيئا يذكر بالمقارنة مع ما سيجري، وبدأنا بالفعل نراه في حمص وريفها، وفي هجمات المساجد والحسينيات في العراق، وفي مقاتلي لواء «الإسكندورن» من علويي الأتراك «نصرة» لعلويي سوريا.

هجمات «القاعدة» السابقة، كانت تتسم بالنوعية وقائمة على نخبة مختارة من الجنود، لا يمثلون قواعد اجتماعية واسعة من المجتمعات العربية، أما هذه الحروب التي نراها في سوريا ولبنان والعراق، فهي الحروب المخيفة، لأنها تستند إلى «مجتمعات» قائمة خلفها، تشكل لها مظلة ونبعا دفاقا.

من هنا تتوجه الملاحظة المحبطة من سوء سياسة أوباما وسطحيتها في التطبيق الحرفي والمغلق لسياسة الانسحاب مهما كلف الأمر، حتى لو جرت مستجدات جديدة، فأنت هنا لست أمام قائد وسياسي محترف، صاحب حلول خلاقة، بل أمام مثقف عادي، يردد شعارات مصمتة، من دون أن يتمتع بالحساسة والرهافة السياسية التي تزن الأمور حق وزنها، وتقدم حيث يجب الإقدام وتحجم حيث يحسن الإحجام. في حوار أجراه، مؤخرا، الزميل ممدوح المهيني في هذه الصحيفة مع الصحافي والكاتب الأميركي جوزيف براودي، وهو يجيد العربية كون والدته عراقية، قال وهو يصف المنهج الاحتفائي في الإعلام الأميركي تجاه ما سمي بـ«الربيع العربي». ويحاول شرح سبب هذه الخفة: «أظن أن الكثير من المسؤولين عن المحطات التلفزيونية (الأميركية) يبحثون عن الصحافي الذي يرى الأشياء من خلال لونين فقط: الأبيض والأسود. تقديم مثل هذا الرأي يبدو أسهل لأنه يخلو من التحليل والتمحيص. الأشخاص الذين يرون المسائل المطروحة في العالم العربي من زوايا متعددة، غير مرغوب فيهم».

ويبدو أن مأزق الإعلام الأميركي، هو نفسه مأزق البيت الأبيض في عهد سيده: باراك أوباما!

[email protected]