البوسطجية اشتكوا من: ضاعت مراسيلي

TT

حدثني بعض الزملاء المصريين أنهم أخذوا يعانون من ضياع رسائلهم، سواء إلى ذويهم أو من ذويهم. فكروا في الأمر، ثم سمعوا بأن الفئران والجرذان في مصر زادت أعدادها مؤخرا بسرعة كادت تفوق نسبة زيادة السكان. يتساءل الإنسان، إذا كان البشر أصبحوا يعانون من الجوع فكيف تجد هذه الحيوانات الأليفة طعامها؟ الاستنتاج واضح بعد أن أخذ البوسطجية يعانون من كثرتها في مكاتب البريد. أخذت فئران مصر تعيش على مراسيل أهل مصر.

الحقيقة أن للفئران والجرذان تاريخا طويلا من العلاقات الغذائية في مكاتب البريد. ولا بد لي من أن أروي صفحة من هذا التاريخ كما سجلها البريد البريطاني في القرن التاسع عشر، أملا في أن يتعلم شيئا منها المسؤولون في القاهرة.

ذكرت الوثائق أن الحكومة البريطانية قررت الاستعانة بالقطط لمكافحة الفئران التي راحت تفتك بمراسلات الناس. وعينت لهذا الغرض رجلا بمنصب «مدير القطط» عام 1870 وخصصت ميزانية لهذا الغرض تضمنت تقنين ثمانية بنسات يوميا لطعام القطة الواحدة. وكتب مدير القطط تقريرا يقول: «إن نظام القطط قد حل بشكل كبير مشكلة البريد فقد قامت القطط بواجبها بكفاءة ولكننا لم نستطع تلبية طلب معالي الوزير في ضرورة الاقتصار على استخدام الإناث من القطط فقط، رغم أننا نستشف من هذا الطلب حرص معالي الوزير على زيادة نفوس العاملين في دوائر البريد».

ومن الواضح أن مدير القطط كان حريصا على تفادي التهمة بالتمييز العنصري بين الهرر والبسات. فواصل على استخدام قطط من الجنسين الذكور والإناث.

بيد أن ناظر البريد في ساوثامبتن اعترض على مبلغ الثمانية بنسات واعتبره غير عادل ولا مناسبا لشخص القطة العاملة، فما تصيبه من لحم الفئران لا يكفي مطلقا لإعاشة القطة بعيش كريم يليق بقطة إنجليزية. وبالنظر لعدم وجود نقابة عمالية للقطط تدافع عن حقوقها فقد قام البوسطجية بحملة كبيرة لرفع أجورها من ثمانية بنسات إلى عشرة بنسات يوميا. وقد استمرت المراسلات طويلا حتى القرن العشرين في موضوع تكليف القطط بحماية البريد البريطاني. وأعتقد أنه من الجدير بمدير البريد المصري أن يكرس قسطا من وقته لدراسة هذه الوثائق والاستفادة من الخبرات البريطانية في استخدام القطط في مكافحة الفئران وصيانة مراسلات الدولة والجمهور.

أقول ذلك وأنا أتوقع المشكلات التي ستعترض هذا الموضوع في ظل الحكم الحالي. سيقولون هذه قطط إنجليزية معتادة على الاختلاط ونحن في بلد محافظ لا يسمح بذلك. ومن يدري فقد يضطر بعض البوسطجية الذين يعانون من شظف العيش لأكل طعام القطط فتذوي صحتها وتتلاشى قدرتها على مطاردة الفئران. وربما يسمع الأميركان بأحوال قطط البريد المصري فيبعثون قواتهم لاحتلال مصر بحجة وجود أسلحة دمار شامل كما فعلوا بالعراق.