نضحك قليلا ونبكي كثيرا

TT

هناك رأي يقول: السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة.

وهذا صحيح إلى حد كبير، خصوصا إذا لم تردعها أحكام شرعية، وقوانين دستور. وفكرة (المستبد العادل) فكرة قد عفّى عليها الزمن، وغير صالحة في هذا الوقت بتاتا، وخصوصا أن أكثر الناس لم يعودوا جهالا ولا قطاع طرق.

وأسوأ الدول تخلفا هي التي لا تتعب من ترديد كلمة (الديمقراطية)، وبينها وبين تلك الكلمة البعد ما بين المغرب والمشرق، بل إنها أساءت لنفسها وأساءت لتلك الكلمة من كثرة ما (علكتها) بكل غباء.

ومن أول ما وعيت على الدنيا وأنا أسمع هذه الكلمة وأقرأها في كل وسائل الإعلام العربية، ويزداد التغزل بها في خطب بعض الزعماء العرب من دون حياء أو خجل وهم يبشرون جماهيرهم الغائبة عن الوعي بالحرية، في الوقت الذي تتكبل فيه تلك الجماهير بالأغلال وهي تهتف لجلاديها.

ولكي لا (أغثكم) أكثر، دعوني ألق بصيصا من الضوء على صفحات من التاريخ، فيقال:

إنه كان الإمبراطور (ثيويومباس) حاكم إسبرطة، هو أول من فطن من الحكام إلى ما ينطوي عليه الحكم المطلق من خطر، فأنشأ ما يمكن أن نسميه (مجلس الأمة)، ونزل له عن جانب من سلطاته العظيمة، فقدر له شعبه عمله هذا تقديرا كبيرا ولكن امرأته عنفته عليه وقالت له: «إنك تنزل عن سلطانك، وستكون السلطة التي تتركها لولدك دون ما ورثت أنت عن أبيك».

فقال لها الإمبراطور: «كلا، بل ستكون أعظم، لأنها ستكون أبقى» - انتهى.

وفي الروايات أن الحكيم الصيني (كونفوشيوس) كان سائرا ذات يوم مع نفر من تلاميذه عند سفح جبل (تاي)، فشاهد عن بعد امرأة تنوح على قبر، فحث السير إليها، وعندما أقبل عليها قال لها: إنك يا امرأة تنوحين نواح من نكب مرة بعد أخرى.

فقالت: الصواب ما قلت. إن وحشا افترس والد زوجي هنا، ثم نزلت المصيبة نفسها بزوجي أمس، وها هو ذا ابني اليوم ينال نفس المصير.

فقال الحكيم: ولماذا لا تبرحين هذا المكان وتلجأين إلى آخر؟

فقالت: لأنه لا توجد حكومة مستبدة هنا.

فالتفت الحكيم إلى تلاميذه وقال لهم: تذكروا يا أبنائي هذا واحفظوه - إن الحكومات المستبدة أشر من الوحوش المفترسة.

هذا هو ما أورده الفيلسوف البريطاني (برتراند رسل) في كتابه المعنون بـ«السلطان».

ومن العجب العجاب أن هذه المنطقة التي أبدعت شرائع (حمورابي) حتى قبل وصايا (موسى) رسفت قرونا في أصفاد الظلم والجبروت والعبودية، ولو أننا أخذنا العراق مثالا ابتداء من عهد (الحجاج) حتى يومنا هذا، لضحكنا قليلا ولبكينا كثيرا، ولما ولغنا بالدماء حتى الركب، ولكن لا شيء عندنا غير أن نقول:

على من تعزف مزاميرك يا داود؟

[email protected]