العلاقات التركية ـ السعودية

TT

أصبحت تركيا تبدي اهتماما كبيرا بكافة التطورات في العالم وتتابع قضاياه عن كثب وذلك بفضل آفاق سياستها الخارجية المتسعة خلال العقد الأخير من القرن الجاري، حيث نرى اليوم أن تركيا تسعى إلى تطوير علاقاتها مع كافة دول المنطقة وترسم ذلك ضمن أولويات سياستها الخارجية الجديدة. ولا شك أن المملكة العربية السعودية تتبوأ مكانة خاصة ضمن هذه السياسة الخارجية الجديدة لتركيا حيث شهدت العلاقات التركية السعودية تطورا ملحوظا مع تولي حزب العدالة والتنمية سدة الحكم في البلاد. ونستطيع القول إن العلاقات الثنائية بين البلدين وصلت إلى مستوى جيد للغاية وإنها ما فتئت تسجل صعودا مستمرا في كافة الأصعدة.

وقد وصلت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى أعلى المستويات في كافة المجالات خاصة منها الاقتصادية والسياسية والثقافية مع حزب العدالة والتنمية في تركيا مما نلمسه بشكل جلي في الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الجديدة. كما أن النجاحات التي حققتها تركيا في السنوات الأخيرة قد نالت إعجاب وتقدير المملكة العربية السعودية أيضا مما أدى إلى زيادة تقارب المسؤولين بجميع المستويات إلى بعضهم البعض.

العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال حكم حزب العدالة والتنمية

إن المملكة العربية السعودية التي تمتلك نحو 25% من الناتج القومي الإجمالي للدول العربية وتتمتع بالعضوية ضمن مجموعة العشرين (G - 20) تعتبر أحد أكبر وأهم اقتصاديات العالم في المنطقة. ويشهد اقتصاد المملكة زيادة مستمرة منذ 2002 مع زيادة أسعار النفط في العالم. وركزت المملكة في 2008 على مشاريع تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتطوير البنية التحتية وإيجاد مواطن العمل الجديدة من أجل الحد من اعتماد البلاد على النفط اقتصاديا من جهة وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة من جهة أخرى. وقد أثمرت هذه الجهود للمملكة بالنتائج الاقتصادية التالية:

شهدت العلاقات التركية السعودية انتعاشا في المجال الاقتصادي إضافة إلى سائر المجالات مع وصول «طورغوت أوزال» إلى الحكم في الثمانينات. إن السياسة الخارجية الجديدة التي انتهجتها حكومة أوزال آنذاك حررت تركيا من الانغلاق على النفس وسياسة التبعية والرضى بكل ما يحدث وجعلتها تنفتح على العالم وتقوم بمبادرات وتتبع سياسات ريادية. وانعكس هذا التطوير على العلاقات التركية السعودية أيضا حيث تبنت تركيا في عهد أوزال موقف التقارب تجاه المملكة العربية السعودية لتحقيق النجاح في الاقتصاد التركي القائم على التصدير من جهة وتغطية حاجة البلاد من النفط بشكل آمن من جهة أخرى. وهذا المناخ الإيجابي في العلاقات الثنائية قد انعكست على تبادل الزيارات في أعلى المستويات.

ولئن شهدت العلاقات التركية السعودية نوعا من الجمود بعد وفاة أوزال، إلا أنها اندفعت بقوة في كافة المجالات وعلى رأسها المجال الاقتصادي مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم. وكان لموضوع الطاقة دور محوري في سير العلاقات الاقتصادية بين البلدين لأن تركيا كانت بلدا مستوردا للطاقة والمملكة العربية السعودية بلدا مصدرا لها. وقد تبوأت المملكة المركز الأول خليجيا والمركز السادس عالميا من حيث مشاريع المقاولات المنجزة من قبل الأتراك. وفي هذا السياق بلغ حجم المشاريع الموكولة إلى الشركات التركية في المملكة العربية السعودية 12.1 مليار دولار في النصف الأول من سنة 2012.

وأما تركيا فقد أصبحت أكبر دولة اقتصادية نموا في منطقة الشرق الأوسط بتحقيق 740 مليار دولار كناتج قومي إجمالي في سنة 2008 تلتها المملكة العربية السعودية في المركز الثاني بتحقيق 476 مليار دولار في نفس السنة. وحسب معطيات اتحاد المصدرين الأتراك فإن الصادرات التركية إلى المملكة قد زادت في سنة 2012 بنسبة 37% لتحقق 3.75 مليار دولار وارتفعت بذلك المملكة إلى المركز الثامن في سنة 2012 في الصادرات التركية بعد أن كانت في المركز الثالث عشر في عام 2011 وبلغت بذلك حصة المملكة في إجمالي الصادرات التركية نسبة 3% في عام 2012 بعد أن كانت 2.1% في عام 2011.

وسجلت العلاقات الثنائية تطورا ليس في المجال الاقتصادي فحسب بل في شتى المجالات وعلى رأسها المجالات العسكرية والتدريبية والثقافية. وفي هذا السياق كانت لزيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان إلى تركيا في عام 2010 ولقائه بوزير الدفاع التركي وجدي غونول والتوقيع على اتفاقية التعاون الجديدة في إطار الزيارة أهمية كبيرة للتعبير عن بعد العلاقات الاقتصادية بين البلدين. كما أن مشاركة المملكة العربية السعودية في المناورات العسكرية الجوية «نسور الأناضول» في مدينة «قونيا» التركية في عام 2011 قد أكدت التعاون العسكري رفيع المستوى بين أنقرة والرياض.

موقف مشترك إزاء الربيع العربي

أصبح التغيير والتحول الديمقراطي في حوض المتوسط والشرق الأوسط أمرا لا رجوع عنه ولا مفر منه. وأدت موجة التغيير هذه إلى إطاحة الحكام في بعض البلدان وإلى تحقيق إصلاحات شتى في الأخرى. ولا شك أن كلا من تركيا والمملكة العربية السعودية قد تأثرت بهذه الموجة حسب خصوصياتهما. وقد أشاد كلا البلدين بالأفكار التالية في هذه المرحلة:

* يجب أخذ مطالب الشعوب بعين الاعتبار.

* تشجع تركيا دول المنطقة على الإعلان عن تنفيذ إصلاحات شاملة.

* لا يمكن القبول بممارسة العنف والقوة المفرطة ضد الشعوب.

* يجب الحفاظ على سيادة الدول واستقلاليتها ووحدتها الترابية والسياسية واحترام كل هذه المقومات.

* يجب إدارة التحولات من قبل الشعوب.

* يجب عدم السماح بانتهاز المرحلة المذكورة من قبل مجموعات متطرفة تسعى إلى تفجير الخلافات الطائفية والإثنية والآيديولوجية.

وهنا تجدر الإشارة أيضا إلى أن المملكة العربية السعودية لم تنس موضوع اللاجئين السوريين في تركيا، حيث مدت يد العون لهم بتخصيص 50 مليون دولار.

زيارة ولي العهد إلى تركيا

لا شك أن الزيارات المتبادلة بين الدول تلعب دورا رئيسا في تطوير العلاقات الثنائية. وكانت زيارة الملك عبد الله إلى تركيا في عام 2006 أول زيارة لملك سعودي إلى بلادنا بعد مرور 40 سنة. وقد شهدت العلاقات الثنائية بعد تلك الزيارة تطورا سريعا حيث لم تمض سنة واحدة على تلك الزيارة حتى قام الملك عبد الله نفسه بزيارة ثانية إلى بلادنا في عام 2007.

وفي المقابل قام رئيس الجمهورية التركي بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية ما بين 3 و6 فبراير (شباط) 2009 ثم زار المملكة مرة أخرى للمشاركة في مراسم افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في سبتمبر (أيلول) 2009. وتوالت زيارات مكثفة بين البلدين من 2006 إلى 2012 سواء على المستوى الثنائي أو للمشاركة في المؤتمرات والقمم الدولية.

وتأتي زيارة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى بلادنا في وقت تمر فيه المنطقة بمرحلة حساسة مما يستدعي ضرورة التشاور بين البلدين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائية، ولذا تولي تركيا أهمية كبيرة بهذه الزيارة.

وفي النهاية يمكن القول إن التحديات والتهديدات الجديدة التي برزت في المنطقة مع احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية في عام 2003 جعلت العلاقات التركية السعودية في مرحلة جديدة. كما أن «الربيع العربي» و«انسحاب أميركا من العراق» و«اجتياح الأزمة الاقتصادية العالمية الدول الأوروبية وأميركا» أدت بالمملكة العربية السعودية إلى مراجعة أولوياتها الاستراتيجية. ولذا فإن الظروف والمفاهيم المتغيرة أظهرت ضرورة التعاون الثنائي والتحرك السوي بين تركيا والمملكة العربية السعودية.

* نائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية