العربي (لا قبة ولا حبة)

TT

قديما قالوا: لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك، وهي مقولة تحذّر من خطورة اللسان، فكلمة واحدة إذا تفوهت بها قد تفقدك (صديقا) حتى لو قلتها همسا، كما أنها قد تؤدي بك إلى السجن، بل إن تلك الكلمة الشيطانية قد تهوي بصاحبها سبعين خريفا، مثلما أكد ذلك رسول رب العزة والجلال - صلى الله عليه وسلم.

لا أريد أن أصل اليوم بتطرقي للكلمة إلى هذه الدرجة من الخطورة، وإنما على خفيف، وهي غالبا تعتمد على (الذوق)، فمن غير اللائق مثلا أن نطلق على جامع القمامة (زبّال)، ولكن أن نترفق به ونسميه (عامل النظافة)، والخادمة (عاملة منزلية) وهكذا.

وإذا فرضا شاهدنا امرأة متجهة للحمامات فمن عدم اللياقة أن نقول: إنها ذاهبة (لتقضي حاجتها)، ولكن علينا أن نحسن الظن ونفترض أنها ذاهبة لكي تغسل يديها أو تضع المساحيق وتتعطر قليلا.

وحتى إذا جلس الواحد على مائدة الأكل، فمن العيب أن يشير إلى الدجاجة التي أمامه قائلا: إنني أحب وأموت (بالوروك)، أريد هذا الورك، فمن الأفضل أن يستبدل بالاسم (الرجل أو الساق) دون أن يخسر شيئا.

ومن البياخة أن نجابه أي رجل مفصول أو مطرود من عمله، فنتشدق قائلين: إنه فصل، بل الأحرى أن نجامله بأقوالنا ونكذب كذبة بيضاء كأن نقول: إنه استقال، أو إنه في إجازة إلى أجل غير مسمّى، أو على الأقل إنه (أعفي من منصبه بناء على طلبه) - مع أن الواقع غير ذلك بتاتا.

***

سألني هل تعرف الفرق بين الإنجليزي والفرنسي؟! قلت له: لا، نورني.

قال: الفرنسي ينفق نحو نصف ساعة كل يوم - أي ما يعادل عاما كاملا من عمر إنسان بلغ الستين - في مصافحة الناس بيده، أما الإنجليزي فحسبه من هذه العادة أن يصافح من يريد مصافحته مرة واحدة في حياته، ولا يعود إليها مرة أخرى، والإنجليزي قد لا يجيد قيادة السيارة ولكنه يسير بحذر، أما الفرنسي فيجيد قيادة السيارة ولكنه يندفع بها اندفاعا جنونيا، لقد اقتنع الإنجليزي منذ زمن طويل بأن الطائرة أسرع من السيارة، أما الفرنسي فلا يزال مصمما على إثبات العكس.

والإنجليزي الذي يسير على قدميه في الطريق، ويرى مليونيرا يمر به في سيارته (الرولزرويس) يحلم في سره باليوم الذي سيقود فيه سيارته الخاصة الشبيهة بها.

أما الفرنسي الذي يسير على قدميه في الطريق، ويمر به مثل ذلك المليونير في سيارته (الرولزرويس) فإنه يحلم باليوم الذي يستطيع فيه أن ينتزع المليونير من سيارته ويجعله يسير على قدميه مثله في الطريق.

والإنجليزي لا يعلق على الآخرين كثيرا، لأنه مشغول بنفسه، ولكن الفرنسي يعتبر الأميركيين أطفالا كبارا، والإنجليز لاعبي (غولف)، والإيطاليين آكلي مكرونة، والإسبان مصارعي ثيران، وهو يسأل نفسه دائما: كيف يستطيع الإنسان أن يعيش في الدنيا دون أن يكون فرنسيا - انتهى.

وبعد أن خلص هو من محاضرته وتحليله، اعتدلت أنا بجلستي قائلا له:

إنني ألخص كلامك كله بجملة مختصرة.

الفرنسي يجعل من الحبة قبة، والإنجليزي يجعل من القبة حبة.

أما العربي إذا أردت أن أحشره في هذا الموضوع حشرا، فهو لا قبّة ولا حتى حبّة، أقول هذا عن نفسي قبل الآخرين، لكي أكون بـ(Safe Side).

[email protected]