«قصقص بلد.. ساوي نواب»!

TT

زعم معظم الزعماء وقادة الأحزاب اللبنانية صيف عام 2009 أنهم اعتمدوا في الانتخابات النيابية ما يعرف بـ«قانون الستين» معدلا ولآخر مرة، وهو القانون الذي كان اللواء السوري غازي كنعان قد فصّله عندما كان المندوب السامي السوري في لبنان، يومها وضع القانون على قاعدة تقطيع أوصال الدوائر الانتخابية بهدف إلحاق الهزيمة بالرئيس رفيق الحريري الذي اجتاح الانتخابات بما سيمهد ربما لاغتياله فيما بعد!

فور انتهاء هذه الانتخابات شكّلت لجنة من الخبراء برئاسة الوزير فؤاد بطرس لوضع قانون انتخابي جديد عصري ويليق بالادعاء أن لبنان يطبق الديمقراطية البرلمانية، وخصوصا بعدما علت انتقادات المتنورين والهيئات المدنية لأن من المعيب ترك الاتفاق على القانون الانتخابي دائما حتى اللحظات الأخيرة بما يستدعي تكرار الكذبة السخيفة أي اعتماد قانون الستين «لآخر مرة»!

وضع مشروع قانون فؤاد بطرس وزملائه جانبا، ربما لأنه تضمن دعوة إلى اعتماد النسبية ولو جزئيا في احتساب النتائج وهو ما لا يريده أصحاب «المحادل» الانتخابية الذين تمسكوا بالمبدأ الأكثري. ومن صيف 2009 إلى الآن وضعت طناجر القوانين الانتخابية على نار مطفأة فلم يحصل المواطن اللبناني منذ أربعة أعوام إلا على طبخة بحص تغلي فوق المزاعم والأكاذيب. ورغم أن هناك عددا من مشاريع القوانين المقترحة التي تراوح بين النسبية والأكثرية وكذلك تجمع بين الأكثري والنسبي، فقد شارفت المهلة القانونية لتقديم الترشيحات من دون التوصل إلى اتفاق بين النواب وهو ما أعاد فرص إحياء قانون الستين الذي طالما قيل إنه مات ودفن في جبانة عين التينة وبحراسة من رئيس المجلس نبيه بري!

طرحت قوانين كثيرة أكثرها جلبة كان «القانون الأرثوذكسي» الذي قيل إنه يعطي المسيحيين 64 نائبا ليحقق المناصفة وفقا لاتفاق الطائف، لكنه في المقابل يكرس المذهبية ويعمّق الانقسام الطائفي ويهدد بجعل لبنان مجموعة من القبائل المتناحرة بما ينسف كل أسس العيش المشترك بين الطوائف الـ18 في هذا البلد «السعيد»، وعلى امتداد أربعة أعوام عملت المقصات على تمزيق خرائط لبنان الجغرافية والطائفية وعلى خياطها ورتقها وفقا لحسابات «الخيّاطين» وهواهم، وليس سرا أن كل حزب يستطيع أن يرسم خطوط القانون الذي يعطيه الحصة الأرجح ولو على حساب التوازن والتعايش وقواعد الوحدة الوطنية وقيمها.

وبغض النظر عن هذه التفاصيل المملة بالنسبة إلى القارئ العربي، من الضروري التوقف عند 3 ملاحظات أساسية في مسألة طبخة البحص الانتخابية التي ستنتهي بأن يأكل اللبنانيون يوما أصابعهم ندما:

أولا: لقد ثبت منذ خروج الإدارة السورية من لبنان عام 2005 أن اللبنانيين غير قادرين على التفاهم والاتفاق وتحديد نقاط الالتقاء على المصلحة الوطنية سواء فيما يتعلق بالانتخابات أو بتشكيل الحكومات، أو بدور لبنان وموقعه في المنطقة والعالم، في الماضي كان الانتداب الفرنسي هو الذي ينظم اللعبة السياسية وقبله كانت تدخلات القناصل والمبعوثين هي التي تتولى ترتيب الأمور وما بين عام 1943 و1970 لم يبنِ اللبنانيون دولة مؤسسات راسخة، فجاءت الحرب الأهلية عام 1975 لتدمر كل شيء تقريبا ثم عطّل الاحتلال السوري «اتفاق الطائف» ليدير البلد كمزرعة.

ثانيا: بعد خروج السوريين وسط بحر من دماء الشهداء، تولى حلفاء دمشق وخصوصا حزب الله عرقلة استعادة الحياة الطبيعية توصلا إلى إرساء قواعد دولة تعتمد الديمقراطية البرلمانية، وتحت شعار مقاومة إسرائيل تحول حزب الله بدفع إيراني وسوري، دولة داخل الدولة إلى درجة بدت الدولة اللبنانية وكأنها في كنف دولة هذا الحزب الذي صار يؤلف الحكومات ويقيلها عبر الانقلاب على نتائج الانتخابات، كما حصل عند إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وكما يحصل الآن عبر التهديد بالنزول إلى الشوارع إذا شكل الرئيس تمام سلام حكومة لا يحصل فيها الحزب على ذلك «الثلث المعطل» الموازي لهرطقة «الديمقراطية التوافقية» التي سبق أن فرضها الحزب ذبحا للديمقراطية ومعروف في اتفاق الدوحة وبعد هذا الاتفاق!

ثالثا: من الواضح أن حسابات حزب الله وحلفائه العونيين لا تميل إلى الرغبة في الذهاب إلى الانتخابات في وقت يزداد تورطه في الحرب السورية، ولهذا يلائمه أن يناور مع النائب ميشال عون في مسألة حقوق المسيحيين توصلا إلى التمديد لمجلس النواب، كما يلائمه بقاء حكومة تصريف الأعمال التي شكلها بالتعاون مع بشار الأسد قبل اندلاع الثورة السورية لأنه لن يكون في وسعه بعد الآن تشكيل حكومة مماثلة، وهكذا ليس غريبا أن تبقى الديمقراطية البرلمانية في لبنان طبخة بحص... وأكاذيب!