لماذا تعنينا سوريا؟

TT

كنت في إحدى المناسبات الاجتماعية التي يجتمع فيها القاصي والداني، وتكون فرصة لتبادل الأحاديث، وتناقل الأفكار والآراء، وتحليل الأحداث والمواقف. وكان يصحب أحد الأصدقاء ضيف من الولايات المتحدة يزور المنطقة للمرة الأولى، وبعد تناول أطراف الأحاديث العامة سألني الرجل وبشكل مباشر: أتابع منذ فترة وقبل سفري وحضوري لمنطقتكم من العالم تفاعلكم الكبير مع ما يحدث في سوريا، وتعاطفكم العظيم مع الثورة ومطالب الثوار، ومعارضتكم لحكم الأسد، فلماذا تهمكم سوريا بهذا الشكل وإلى هذه الدرجة؟

توقفت برهة وتنهدت مغلقا عيني، وبدأت في إجابته بهدوء، وقلت له إن سوريا، أو كما نحب أن نناديها أرض الشام، هي أرض مذكورة في كتابنا القرآن الكريم، وهي أرض بارك حولها الله سبحانه وتعالى، وكذلك دعا لها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بالبركة، وحل على أرضها زائرا، ومنها وإليها كانت رحلات التجارة الأولى إلى مكة المكرمة، وفيها قامت دولة إسلامية كبرى وانطلقت شرقا وغربا بانية حضارة عظيمة، أرض الشام المباركة خرج منها فطاحل الرجال وعلماء وفرسان وتجار كانوا أيقونات مضيئة، ومضربا للأمثال في النجاح والتفاني والتميز عبر الأزمان والأمكنة.

العرب عموما، والسعوديون منهم خصوصا، يعرفون قيمة سوريا، وكذلك قيمة السوريين، فهم عرفوهم مهندسين وأطباء وتجارا ومحامين ومحاسبين وأزواجا وزوجات في مختلف مجالات الحياة، شاركوهم وتعلموا منهم، وتعالجوا منهم، وتراحموا وتصاهروا معهم، وأقاموا عندهم.

ومن منطقة نجد وسط البلاد كانت تعرف ظاهرة ترحال رجالها للتجارة إلى بلاد الشام بالعقيلات، وكثير منهم بقي فيها وظل على وصال مع أهله في الجزيرة العربية من بعد ذلك، وفي الحجاز، وتحديدا في المدينة المنورة (على ساكنها أفضل صلاة وأتم تسليم)، كثير من سكانها من أصول شامية عريقة، جاءوا لنيل شرف الجوار، وأقاموا فيها بعد ذلك وأصبحوا جزءا من هوية وطنهم الجديد، وكذلك الأمر في بوابة الحرمين الشريفين مدينة جدة، التي تسمى إحدى حاراتها الأربع الرئيسية القديمة بحارة الشام؛ تقديرا وعرفانا لهذه البلاد العزيزة والغالية على قلوب أهل هذه المدينة التي شهدت بزوغ أسماء مهمة في فلكها التجاري المهم والمؤثر من أسر شامية عريقة.

المائدة السعودية تحديدا، والعربية عموما، عامرة وغزيرة ومليئة بالأطباق السورية الشامية المعروفة، وكذلك المعمار السعودي من السهل والمألوف أن ترى فيه البصمة السورية الواضحة من أعمال خشبية مطعمة بالصدف المعروف، أو المعمار الخارجي المطعم بالحجر الحلبي المميز.

دعاة وعلماء تربى عليهم أجيال طويلة من السعوديين، ولعل أشهرهم كان الراحل الشيخ المحبوب علي الطنطاوي الذي كان أيقونة في الوسطية والاعتدال والتسامح والعقلانية، وكذلك الأمر بالنسبة «للتذوق» في الإنشاد والطرب والفنون التشكيلية والإنتاج التلفزيوني الدرامي، فلا يمكن إغفال الأثر السوري الكبير، وذكر أسماء مثل توفيق المنجد وصبري مدلل وأديب الدايخ وصباح فخري ولؤي كيالي وفاتح المدرس ومروان قصاب باشي، والأعمال التلفزيونية كثيرة حتى تحولت إلى جزء من الهوية الفنية الجديدة لأجيال بعينها، وباتت أسماء الممثلين والمخرجين السوريين بشهرة نجوم كرة القدم، ونال من الحظ قامات أدبية سورية، مثل حنا مينا ووليد إخلاصي..

كل هذه الأسباب، ناهيك عن السبب الإنساني الأهم وهو مساعدتهم في الخلاص من نظام مجرم دموي إرهابي طاغ يساعده على البقاء ميليشيات مجرمة مثله.