سقوط (المشروع الإسلامي).. لا يعني (سقوط الإسلام)

TT

إذا فشل شعار (الإسلام هو الحل) في دائرة التطبيق على أرض الواقع - كما هو حاصل اليوم - فليس معنى ذلك: أن (الإسلام الحق) هو الذي فشل. فالإسلام الحق المعصوم من الخطأ والفشل هو: القرآن والسُنة.. أما فهم المسلمين للإسلام وتطبيقاتهم له فليست معصومة ألبتة لسبب بدهي وهو: أن الناس خطاؤون. وأن المسلمين بشر من البشر يخطئون في الفهم والتطبيق بلا ريب: جهلا أو هوى.

ولقد اكتنف شعار (الإسلام هو الحل) أخطاء مركبة منها:

1 - أن الشعار ظل مبهما مجملا: لم يفصل بموجب منهج علمي تطبيقي يكون بمثابة (دليل عمل). وكثيرا ما يكون الإجمال (مضلا) في مثل هذه الأمور.

2 - أنه شعار بدا وكأنه عنوان انتخابي يؤهل رافعيه لكسب انتخابي واسع، ولا سيما في بيئة عريقة في التدين، ولا سيما أن برامج الأحزاب الأخرى تخلو من مثل هذا العنوان الجذاب.

3 - أنه شعار بدا وكأنه (بديل تنويمي) لمهمة لا بد منها، أي مهمة (الاجتهاد) العلمي الجاد والخصيب في تفصيل الحلول المطلوبة، وهو تنويم أو تخدير ترتب عليه واقع لا يمكن أن يوصف بأنه جيد أو مريح، بمعنى أنه ليس هناك أي (حل) راشد وناجز لأي مشكلة واقعية: لا أمنية ولا تشريعية ولا سياسية ولا معيشية ولا اقتصادية ولا إدارية إلخ.. مثلا. من المعروف أن مصر بلد سياحي، ويتوقف جانب مهم من دخلها القومي على مورد السياحة من حيث توفير مقادير مجزية من العملة الصعبة، ومن حيث تشغيل عشرات الألوف من المصريين في القطاع السياحي بشتى وظائفه.. ومن المعروف كذلك أنه تشوب السياحة شوائب عديدة: اجتماعية وأخلاقية.. وبما أنه يتعذر أو يستحيل المناداة بإلغاء السياحة في مصر بإطلاق، فإن استمرار السياحة بأقل خسائر اجتماعية وأخلاقية كان يتطلب اجتهادا جديدا ينهض السياحة من جانب، ويتفادى - قدر الإمكان - سلبياتها وشوائبها من جانب آخر، ولسنا نعني بالاجتهاد (مجرد فتوى) مجملة أيضا، فالدول - ولا سيما في عصرنا هذا - لا تدار شؤونها بفتاوى مجملة.. وإنما نعني بالاجتهاد (خطة وطنية) تنبثق من دراسات وبحوث مستفيضة تنتهي بمفاهيم وآليات ومعايير جديدة للسياحة في مصر.. بيد أن شيئا من ذلك لم يحدث، ومن هنا استمر (الوضع القديم) للسياحة (وضع مبارك ومن قبله). فقد مددت الحكومة المصرية الحالية تراخيص كازينوهات شارع الهرم وأمثاله.. وهي خطوة أثارت حنقا دينيا لدى حلفاء الإخوان أنفسهم وهم حزب النور السلفي الذي رفض هذه الخطوة واحتج عليها.

ومن المفارقات: أن الحكام الجدد في مصر فعلوا ما كانوا يشنعون على النظام السابق بسببه.. ومنهم من كان يقول: ((أتسمح مصر بانتهاك أعراضها، وبجلب غضب الله عليها من أجل حفنة من العملة الصعبة ترد إلى خزينتها؟!))!.. وهذا المثل ينطبق على بلدان أخرى تشارك مصر في قضية السياحة هذه، كما تشاركها في رفع شعار الدين الإسلامي.

ومما يدخل في سياق شعار (الإسلام هو الحل)، رفع الصوت بضرورة تطبيق (الشريعة الإسلامية).

وليس يماري مؤمن في وجوب تطبيق الشريعة.. هذه واحدة.. والأخرى أن الشعوب الإسلامية تريد أن تعبد ربها بتطبيق شريعته - سبحانه - عليها.. ومسألة إرادة الشعوب الإسلامية هذه تتطلب توثيقا لئلا يكون الكلام مجرد أمنية صيغت في قالب خبري أو إخباري.. والتوثيق هو: أن دراسة أجراها معهد (يو) للدين والحياة العامة في واشنطن. ولقد أظهرت هذه الدراسة أن غالبية المسلمين حول العالم يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية في دولهم، وإن اختلفوا حول (كيفية التطبيق).. وعينات الدراسة ونتائجها.. تؤكدان - بالتفاصيل - توثيق الحالة.. فقد شملت الدراسة 38 ألف شخص في 39 دولة في العالم الإسلامي.. وتبين أن 99 في المائة من الأفغان يؤيدون تطبيق الشريعة، وأن 74 في المائة في مصر ينزعون ذات المنزع.. وتتراوح بقية آراء المسلمين بين ذينك الرقمين.

فهل طبق حملة شعار (الإسلام هو الحل): الشريعة الإسلامية؟

لا يبدو ذلك، بل لا يبدو أن هناك (حماسة) لذلك!

ونسارع فنقول: لسنا من المتعجلين في هذا الأمر:

أولا: لأن التعجل في هذا الشأن محفوف بالنزق والتشويش والتشويه واعتساف الخطى.

ثانيا: لأن لتطبيق الشريعة (شروطا موضوعية) في مقدمتها: (الاجتهاد العلمي الفكري الفقهي) المستبحر، وإلا فسيحيق بتطبيق الشريعة ما حاق بشعار (الإسلام هو الحل).. مثلا، كان الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - من أشد الناس حماسة وعملا لتأسيس (بنوك إسلامية) أو غير ربوية، ولكنه بعد علم وخبرة واحتكاك جهر برأي قوي وحر وصادم وهو: أن هذه التجربة لم تنجح، بل التاثت بغيرها من التجارب الاقتصادية الأخرى.

ونحن نسأل: لماذا فشلت هذه التجربة؟

الراجح - عندنا: أن التجربة دخلت حيز التطبيق قبل أن تنضج عمليا، أي قبل أن تكون بين يديها خريطة علمية مفصلة في التأسيس والأداء وابتكار وسائل وأساليب جديدة في هذا الحقل.

ومن القواعد الراسخة في دين الإسلام أن (العلم قبل العمل)، وفي (صحيح البخاري) باب يحمل هذا العنوان.

ثالثا: أن تطبيق الشريعة مشروط بـ(التحرر) من النزعات الحزبية التي تصور الإسلام وكأنه (برنامج حزب) بعينه! فتصغره تصغيرا. وهذا التحرر جد ضروري لئلا يتورط الحزبيون في خطيئة (الصد عن سبيل الله)، ذلك أن الشريعة للمسلمين كافة: ليست لحزب ولا لجماعة. فإذا صورت الشريعة وكأنها (برنامج حزب) فإن أهل الأحزاب الأخرى، والمستقلين، سيرفضون الشريعة بهذا الاعتبار فتكون فتنة.. سيرفضون دون أن يكفروا، ففي حقيقة الأمر أنهم رفضوا برنامج الحزب المنافس، ولم يرفضوا شريعة الإسلام ذاتها.

ولهذا كله يتوجب التوسع العلمي والفكري في الفصل بين الإسلام الحق (قال الله وقال الرسول) وبين الأحزاب التي ترفع شعار الإسلام.

ولهذا ينبغي أن يطمئن الجميع أعمق اطمئنان بأن سقوط (المشروع الإسلامي) الذي تنادي به أحزاب وجماعات لا يعني - ألبتة - بوجه من الوجوه (سقوط الإسلام):

أ - فالإسلام باق أبدا لأنه (حق).. والحق ثابت لا يزول، ((وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)).

ب - والإسلام باق أبدا لأنه كلمة الله الأخيرة إلى البشرية. فلا وحي بعد القرآن، ولا نبي بعد خاتم النبيين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم.

والواقع التاريخي يؤكد ذلك ويصدقه. فهناك مئات التجارب الإسلامية التي جرت تحت عنوان الإسلام ففشلت وسقطت، ولكن الإسلام لم يسقط، بل بقي حيا غضا كأن عهده بالوجود أمس.

والضميمة الخاتمة: أنه يتوجب الفصل التام بين الإسلام وبين حملة شعاراته من حكام محدثين ومن أحزاب وجماعات.. يتوجب ذلك حماية للأجيال الشابة المسلمة من الفتنة في دينها وعلاقتها بربها عز وجل: ((إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).