الثورة أكلت والدها

TT

هناك قصة للكاتب المعروف محمود دولت آبادي بعنوان «الكولونيل» يقوم فيها البطل بترديد جملة مرات كثيرة، ويطالب نفسه بألا يندهش أبدا من أي شيء، قائلا: «أنا أحاول منذ فترة ألا أشعر بالدهشة لرؤية أي شيء أو سماع أي شيء. يتعين علي ألا أتعجب أو أندهش».

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لنا ألا نندهش؟ وكان الزعيم الفرنسي الثوري جورج دانتون قد قال ذات مرة إن الثورة تأكل أولادها، ولكن عندما ننظر إلى هاشمي رفسنجاني وإيران، سنكتشف أن الثورة قد أكلت والدها في حقيقة الأمر! ما هو الخطأ الذي يحدث في إيران؟ لقد اقتبست تلك الكلمات من دانتون، ولكن هناك أوجه شبه أخرى بين الثورتين الفرنسية والإيرانية، فعلى سبيل المثال، هناك شبه بين رفسنجاني وخامنئي من جانب وبين دانتون وروبسبير من جانب آخر.

وكان دانتون، الذي ولد عام 1759 ورحل عن عالمنا في الخامس من أبريل (نيسان) 1794، قيادي بارز في المراحل الأولى للثورة الفرنسية وأول رئيس للجنة السلامة العامة، كما كان المحرك الأساسي لإطاحة الملكية وإقامة أول جمهورية فرنسية، قبل أن يتم إعدامه بالمقصلة على أيدي مؤدي الثورة نتيجة اتهامه بالفساد والتساهل مع أعداء الثورة.

وقبيل إعدامه مباشرة، صرخ دانتون قائلا: «روبسبير، سوف يأتي عليك الدور». وبالفعل تحققت نبوءة دانتون، حيث لم يمض سوى أربعة أشهر إلا وجرى إعدام روبسبير بالمقصلة أيضا. لقد كان دانتون ذا شأن أكبر من روبسبير – ولد في مايو (أيار) 1758 ورحل عن علمانا في يوليو (تموز) 1794 – وبالمثل فإن رفسنجاني ذو شأن أكبر من خامنئي. وعلاوة على ذلك، لعب دانتون دورا حاسما في الثورة الفرنسية، بالمثل كان دور رفسنجاني في الثورة الإيرانية أهم وأقوى من دور خامنئي.

في الثورة الفرنسية، بدأت لجنة الأمن العام في إدارة السياسة الداخلية للبلاد، وأصبح الذعر والإرهاب بمثابة سياسة قانونية بموجب الاتفاقية التي تم توقيعها في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1793، في إعلان جاء نصه كالتالي: «لقد حان الوقت لأن تكون العدالة فوق كل الرؤوس، كما حان الوقت لإرهاب وترويع جميع المتآمرين، ولذا بدأ المشرعون في التعامل مع الإرهاب على أنه أولوية قصوى. دعونا نكون في ثورة دائما، لأن الثورة المضادة تحاك في كل مكان من قبل أعدائنا. يجب أن يحوم نصل القانون فوق رؤوس جميع المذنبين».

وبالمثل، تستخدم الحكومة الإيرانية وسائل الإعلام المرئية والصحافية المملوكة للدولة كمقصلة للمعارضين. وكان پرويز کيمياوي، وهو مخرج وكاتب سيناريو ومحرر إيراني وأحد أبرز صناع السينما الإيرانية خلال القرن العشرين، قد أخرج فيلما رائعا عام 1973 بعنوان «المغول». وفي هذا الفيلم، قارن كيمياوي بين هجوم المغول على إيران في القرن الثالث عشر وبين هجوم التلفاز في القرن العشرين. وفي أحد المشاهد الرائعة في هذا الفيلم، تم تصوير شاشة التلفاز وكأنها نصل المقصلة. ما أود أن أقوله هو أن الشخصيات الوطنية والإصلاحيين والمفكرين يقتلون يوميا على أيدي وسائل الإعلام الحكومية. لقد تحولت وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى فريق من الإرهابيين يتم تنظيمهم من قبل الحكومة. وكما كتبت في مقالي الأخير، فقد وصفت وسائل الإعلام رفسنجاني بأنه «خائن البلاد والثورة». ويعني هذا أننا نشاهد تكرارا لما حدث في الثورة الفرنسية، وهذه المرة يلعب خامنئي دور روبسبير من خلال قتل صديقه رفسنجاني.

يعلم الجميع جيدا أن مجلس صيانة الدستور يعمل تحت إشراف خامنئي، وأن المجلس لا يملك القدرة ولا السلطة لإطاحة رفسنجاني من السباق الرئاسي من دون الحصول على موافقة خامنئي. وفي هذه المرة، ذهب مدير قوات الأمن، ونائبه القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني إلى مجلس صيانة الدستور، وقاما بتغيير قرار مجلس صيانة الدستور. من الواضح أن خامنئي كان يدير الخطة من وراء الستار.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي جعل خامنئي يغلق ملف رفسنجاني؟ من الجدير بالملاحظة أن رفسنجاني كان هو من قدم خامنئي كعضو في مجلس قيادة الثورة عام 1978، كما كان هو من دفع بخامنئي كمرشد أعلى عقب وفاة آية الله الخميني، وهو ما يظهر أن خامنئي كان دائما ما يعتمد على رفسنجاني. وتظهر الخبرات الهائلة لرفسنجاني أنه أقوى من خامنئي، سواء من الناحية النظرية أو العملية، حيث شغل رفسنجاني الكثير من المناصب البارزة، فكان رئيس الأركان خلال الحرب العراقية الإيرانية ورئيس البرلمان الإيراني خلال الفترة بين عامي 1980 و1989، ورئيس مجلس خبراء القيادة حتى عام 2011. وبناء على ذلك، قرر خامنئي إطاحة رفسنجاني من المشهد السياسي في إيران من خلال برنامج طويل ومعقد كالتالي:

1 - تمت إطاحة رفسنجاني من قبل مجلس خبراء القيادة واستبداله بآية الله مهدوي، وهو رجل مسن لا يقوى على الوقوف على قدميه ويستخدم كرسيا متحركا!

2 - تم إلقاء القبض على ابنته فائزة رفسنجاني، التي تتسم بالشجاعة والاحترام، وسجنها لمدة 6 أشهر.

3 - تم اعتقال نجله الثاني مهدي، فور عودته من المملكة المتحدة، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد مرور شهرين، وينتظر هذه الأيام موعد محاكمته.

4 - بدأ التلفاز ووسائل الإعلام شن حملات قوية على رفسنجاني، وكما أوضحت سابقا فإن الإعلام خاضع لسيطرة الحكومة والحرس الثوري.

5 - بمجرد ترشحه للانتخابات، زادت الحملات الموجهة ضده، وبعث نحو 100 نائب بالبرلمان برسالة إلى مجلس صيانة الدستور يطالبونه باستبعاد رفسنجاني من سباق الانتخابات.

6 - في الحادي والعشرين من مايو (أيار)، أطاح مجلس صيانة الدستور رفسنجاني من الانتخابات المقرر انعقادها في الرابع عشر من يونيو (حزيران) المقبل.

7 - يوم الجمعة الموافق الرابع والعشرين من مايو، أعلن جميع خطباء المساجد عن دعمهم لقرار مجلس صيانة الدستور. ومن الواضح للغاية أنهم جميعا كانوا يقرأون بيانا للحكومة تمت كتابته في مكتب خامنئي نفسه.

والآن، نحن أمام سؤال مهم للغاية، وهو: هل أغلق خامنئي ملف رفسنجاني إلى الأبد؟ يبدو الأمر بالنسبة لي أن رفسنجاني قد سطر تاريخا حافلا في إيران، فهو سياسي محنك ورجل دين بارز كتب أحد أفضل التفاسير للقرآن الكريم، كما لعب دورا بارزا في تاريخنا المعاصر، وسوف يرحل عن المشهد السياسي وهو مرفوع الرأس. وبصفة شخصية، أشعر بالفخر لأنني كنت نائب رفسنجاني لمدة ثماني سنوات. وبقي لنا أن نتذكر كلمات دانتون وهو يقول إن الدور قادم على روبسبير!