مأسسة المواطنة الخليجية

TT

خلال جلسات منتدى الإعلام العربي في دورته الثانية عشرة التي عقدت في دبي مؤخرا، أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف الزياني أن 92 في المائة من قرارات مجلس التعاون الخليجي قد تم تنفيذها! وأنه متفائل من إمكانية التحول في مجلس التعاون من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، مشيرا إلى المادة الأولى من النظام الأساسي التي تنص على: «تحقيق التنسيق والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها».

وفي رأينا أن تأكيد أمين التعاون يحتاج إلى وقفة، كي نتلمس الطريق نحو مجاهل ومضارب مجلس التعاون الذي مضى عليه أكثر من 32 عاما، وهي مسيرة طويلة فقد كانت هنالك إنجازات تحسب للمجلس، وبعضها غير مرئي للعيان. لكننا نعتقد أن نسبة 92 في المائة تبدو فيها بعض المبالغة، ذلك أن هنالك حالات تم التحقق منها لم تنفذ فيها قرارات قادة دول المجلس.. فلقد تعثرت الاتفاقية الاقتصادية طوال تلك الفترة، واختلفت الرؤى حول الجيش الخليجي الموحد، كما عارضت بعض الدول الأعضاء الاتفاقية الأمنية – لوقت طويل قبل أن تصدق عليها – لأنها تجترئ على السيادة الوطنية للدول وتعرض مواطني المجلس للملاحقة خارج بلدانهم وتتعارض مع بعض الدساتير المحلية. كما بهتت صورة الإعلام الخليجي المشترك، بحكم أن التنافس الإعلامي حل محل التعاون، وأنه من المفيد للمتلقي أن يكون هنالك تنافس لا تكامل في الإعلام. كما حتمت القوانين المحلية المنظمة للإعلام في الدول الأعضاء وهوامش حرية التعبير المتفاوتة في الدول أن يتفاوت تنفيذ آليات الإعلام وصوره، وهذا ما أدى في السابق إلى بعض التعقيدات الإعلامية، كما ظهرت مع منتصف التسعينات فضائيات خارج المنطقة حاولت كسر طوق الاحتكار الحكومي، مما أوجد هامشا معقولا لحرية التعبير. كما أن قرارات متعلقة بالمواطنة الخليجية لم تنفذ، وهي تمس حياة المواطنين مثل: التعليم والتطبيب والمشاريع الصغيرة، ناهيك عن مشكلات التنقل، وحق التملك. كما لم يحدث تطور ملحوظ في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي الذي يشترط شروطا محددة لإنجاح تلك المفاوضات مثل السوق الخليجية والضرائب وغيرها.

لذلك فإن مراجعة دقيقة وموضوعية لما تم تنفيذه من قرارات القمم الخليجية قد تعدل النسبة (92 في المائة) التي تحدث عنها الأمين العام لمجلس التعاون.

أما قضية التحول من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد، فإن عقبات عديدة تقف أمام تفاؤل الأمين العام بشأنها! كما أن اللجنة المكلفة وضع تصورات الاتحاد قد رفعت تقريرها إلى المجلس الوزاري، ولم يصدر أي جديد في هذا الاتجاه. على الرغم من أن «إعلان الرياض» الذي صدر بعد القمة الخليجية قبل الأخيرة قد أكد تبني القادة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكذلك «تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل داخل دولهم، بما يحقق المزيد من المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات، ويفتح آفاق المستقبل الرحبة، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار وتماسك النسيج الوطني والرفاه الاجتماعي».

وفي رأينا أن هذه العبارة الأخيرة تلخص ما تحتاجه دول مجلس التعاون للوصول إلى المواطنة الحقة.. ذلك أن اختلاف وتفاوت النظم والقوانين، ودرجات حرية التعبير، وشكل الإدارة السياسية، وتنوع التوجهات، تحرم المواطن من حق المشاركة في القرار، وتزيد من الفجوة بين الحكم والمواطنين.

إن التطوير والإصلاح – كما جاء في «إعلان الرياض» – يحددان شكل التوجه المطلوب لإدماج المواطن الخليجي في المنظومة التي ظل ينظر إليها كأنها بعيدة عنه، لتركيزها على الشؤون السياسية والأمنية طوال ثلاثين عاما! كما يضع هذا التطوير سوء الإدارة والفساد واستقلال القضاء والرقابة الإعلامية في الكفة الأخرى من الميزان.. ذلك أن المواطن الخليجي متى استشعر انتظام العلاقة بينه وبين الإدارة، وأن الشفافية مرتكز أساسي في هذه العلاقة، وأن القضاء في استقلال تام عن الجهات التنفيذية، وأن بلاده تساير الركب العالمي في الانفتاح وحرية التعبير، فإنه حتما سوف يشعر بقيمة المواطنة ويدرك دوره في الحياة العامة أسوة ببقية المواطنين. ومتى قامت العلاقة بين المواطن والدولة على هذه الأسس فإن ذلك يدعم الأمن ويحافظ على وحدة المجتمع. لكننا في البداية لا بد أن نرسي هذه القيم في كل دولة على حدة، بحيث تكون العلاقة مؤسسة تأسيسا سليما في داخل كل قطر عضو في المجلس، ولذلك اشتراطات أيضا تتعلق بتعديل بعض القوانين المحلية أو إلغائها لكونها تنال من حقوق المواطنة! كما جاءت تصريحات قادة المجلس أنفسهم بأن ما تحقق على أرض الواقع لم يرق إلى طموحات المواطنين.

مواطنو مجلس التعاون يحتاجون إلى إيصالهم أولا إلى درجة المواطنة داخل دولهم، بكل استحقاقاتها، وبالتالي يمكن الانطلاق من هنالك إلى مربع الاتحاد!