نغمة خطيرة... ومضللة

TT

بينما يعد الرئيس كلينتون العدة لبدء جهود وساطة جديدة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، يعزف عدد من السياسيين في الولايات المتحدة نغمة «ممارسة ضغط اكبر» على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وينطلق هؤلاء من افتراض ان عرفات وحده الذي يجب عليه تقديم التنازل للتوصل الى اتفاق نهائي بين الطرفين.

الواقع ان هذه النغمة خطيرة، فضلا عن انها مضللة للرئيس الاميركي وتوجه جهوده وجهة عبثية. فمحاولة التضييق على عرفات قد يكون رد فعلها مزيدا من التشدد من جانبه. ثم انه يجب تذكير اصحاب نغمة «الضغط» هذه بأن عرفات مشى مسافة المرونة التي يمكن لأي زعيم فلسطيني ان يقطعها. معنى هذا ان ممارسة «ضغط اكبر» على عرفات تبدو نوعا من مطالبته بالاقدام على ما سيؤثر سلبا عليه في الشارع الفلسطيني، وربما العربي والاسلامي ايضا. فهل هكذا تكون مكافأة الرئيس الفلسطيني بعد كل ما قدمه لعملية السلام منذ اتفاق اوسلو، الذي تفصلنا عن ذكراه السابعة ستة ايام فقط؟ واذا نحينا العدل جانبا، هل من المنطقي أن تذهب ممارسة واشنطن «الضغط الأكبر» في اتجاه واحد فقط هو الاتجاه الفلسطيني؟ ثم، وهذا هو الأهم، هل بممارسة «ضغط اكبر» على عرفات وحده تخدم واشنطن عملية السلام؟

لا يحتاج الامر الى عبقرية خارقة لكي تكون «لا» هي الاجابة السريعة على الاسئلة الثلاثة. بل ان الامر لا يحتاج إلا الى مزيج من الخبرة والحكمة للتوصل سريعا الى ان احادية الضغط الاميركي ليست في مصلحة السلام، وان المزيد من التضييق على الفلسطينيين وحدهم قد يضر بمجمل العملية ويعيدها مسافة طويلة الى الوراء، إن لم ينسفها تماما.

ولعل اسوأ ما لدى فريق عزف نغمة «الضغط»، سواء في الوسط السياسي او الاعلامي في كل من واشنطن ونيويورك، تكرار الزعم ان الخلاف حول القدس هو «امر ثانوي»، ثم توجيه اللوم، تلميحا او تصريحا، نحو الطرف الفلسطيني. وهذه بالتأكيد محاججة سخيفة، ومع ذلك فانه يمكن استخدامها ضد مردديها من المتحيزين لاسرائيل، فطالما ان موضوع الخلاف «ثانوي» لماذا لا يخطو باراك الخطوة المطلوبة باعادة ما استولت عليه اسرائيل بقوة السلاح؟

يبدو انه من الضروري التذكير بأن التاريخ يحفل بأمثلة فرض طرف قوي لتسوية مجحفة على خصمه الاضعف خلال لحظة معينة. وفي معظم تلك الحالات، فإن التسويات الظالمة قادت الى اندلاع نزاعات اوسع وحروب اطول. وما لم تكن اسرائيل مستعدة لتعديل اصرارها الظالم على فرض تسوية مجحفة، فان المنطقة قد تكون على موعد مع أي شيء... إلا السلام القادر على البقاء!