تتمسكن حتى تتمكن

TT

بحكم أنني أرجع بين الحين والآخر لأرشيفات الماضي، لتزداد نظرتي (البانورامية) التي تشبه نظرة (عين السمكة)، فقد وقع بين يدي عدد من مجلة (صباح الخير) المصرية، ومؤرخ في التاسع من شهر أغسطس (آب) عام 1956، وفيه موضوع كبير بعنوان: (لا يهمني المهر).

وينصح المحرر القارئ قائلا له: «احتفظ بهذا العدد.. إنك تستطيع أن تتزوج به من دون أن تدفع مهرا، ربما اليوم.. ربما غدا.. ربما بعد سنوات».

وهو، أي المحرر، يرى أن المجتمع تطور والعقليات قد نضجت، لهذا قدم تحقيقا لبنات مثقفات جميلات - على حد قوله - ويعالجن المشكلة نفسها ويجبن عن السؤال نفسه؛ عما إذا كن يوافقن على قبول عريس ليس معه مهر، ولا يملك شبكة؟!

وبما أن الموضوع قد مضى عليه (57) سنة، فلا حرج علينا لو أننا ذكرنا أسماء البنات في ذلك الحين، ولا شك أن بعضهن قد اتكلن على الله، والباقيات إما جدات متقاعدات، أو جدات متصابيات.

الأولى هي: (لطيفة عبد العظيم) وتقول: «سأقبله بلا شك لو أعجبت بصفاته الأخرى، فالزواج تعاون لا استغلال مادي». والثانية: (عصمت عبد المجيد) تقول: «المهم التوافق والحب، أما هذه الشكليات، فأنا لا ألتفت لها». والثالثة: (كاميليا الشنواني) وتقول: «طبعا سأوافق، على أن أكون قد ارتبطت معه بالحب الناتج عن التفاهم المتبادل». والرابعة: (رجاء حسن طاهر) تقول: «بكل تأكيد سأوافق إذا توفرت فيه الشروط المطلوبة، والشروط التي أطلبها هي الأخلاق». والخامسة: (نفيسة عوض) قالت: «سأقبله بلا تفكير، ولي في ذلك فلسفة؛ فالإنسان الكامل المثالي غير موجود». والسادسة: (سلوى حبيب) تقول: «لم تعد الفتاة سلعة تباع، ولن أتردد في قبول ذلك الذي يتقدم إلي بلا مهر ولا شبكة». والسابعة: (اعتدال سليم) وتقول: «يجب أن يتوفر أولا الحب القوي، ولن ألتفت لا للمهر ولا للشبكة ولا لغيرها من أموال الدنيا». والثامنة: (محاسن عبد الرحيم) تقول: «قطعا سأوافق؛ على أن يكون إنسانا مثقفا، فالثقافة فوق المال». والتاسعة: (ثريا العجيزي) وتقول: «إن مجرد توجيه هذا السؤال يدل على تفكير رجعي، هذه أساطير بالية، ولن أكون عبدة للمال حتى لو نمت على «حصيرة».

هذا استبيان شاركت فيه مجموعة مختلفة من الفتيات، فيهن الحاصلة على ليسانس الآداب، وفيهن خريجة قسم اللغة الإنجليزية، أو هاوية التمثيل، أو الدارسة للغة العربية، أو العاملة على الآلة الكاتبة في إحدى الصحف، أو الطالبة في كلية التربية الرياضية، أو خريجة التجارة، أو خريجة كلية الفنون، أو السمراء الجذابة ذات الصوت الحالم الرخيم، الذي تطرق به الآن أبواب الإذاعة.

ولا أدري لو أننا أجرينا هذا الاستبيان الآن على (بنات اليوم)، فكيف يا ترى ستكون النتيجة؟!

طبعا إجابات (بنات الأمس) لم تقنعني، وتقبلتها على مضض، ففيها من المراوغة والمثالية الكذابة الشيء الكثير، وهن جميعا ذكرنني بالمثل القائل: (تتمسكن حتى تتمكن).

وإذا كنت غلطانا، فأرجوكم قوموني.

[email protected]