الحرب الطائفية إذا اشتعلت!

TT

لفترة طويلة ظللنا ننكر أن ما يحدث في سوريا أصبح حربا أهلية، حتى توسعت الحرب وشملت كل أطراف البلد، وجرت إليها مختلف مكوناته، فأصبح من الصعب عدم الاعتراف بأن ما بدأ كثورة شعبية تحول، لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، إلى حرب أهلية.

بعد أن اعترفنا بأن الحرب الأهلية باتت حقيقة ماثلة، أصر البعض على رفض القول إنها تحولت أيضا إلى حرب طائفية، بينما واصل ممثلو المعارضة حديثهم عن أن سوريا لن تسقط في مستنقع العنف الطائفي، وأن تنظيمات المعارضة تمثل كل الطوائف. لكن الكلام شيء والواقع شيء آخر. فما يحدث على الأرض من قتل وتهجير واستهداف كان يصرخ فينا وبالصوت العالي: إنها الحرب الطائفية بكل بشاعتها وفظاظتها بدأت تنهش في الجسد السوري الدامي وتمزق أطرافه ونسيجه.

الأرقام التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان المؤيد للمعارضة قبل أيام تقول إن أكثر من 94 ألف قتيل (تقديرات أخرى تذكر أن العدد أعلى من 120 ألفا) سقطوا منذ بدء الأزمة، بينهم نحو 41 ألفا من العلويين، بينما الغالبية من السنة مع وجود قتلى من مختلف الطوائف الأخرى أيضا. صحيح أن المرء يجب أن يتعامل مع الأرقام بحذر في ظل ما يحدث في سوريا، لكن الواقع يؤكد في كل الأحوال أن هناك قتلا يحدث على الهوية، وقتلى كثرا من السنة والعلويين. تصرفات المقاتلين من المتطرفين ومن شبيحة النظام، والقصص المرعبة والمأساوية التي ينقلها النازحون والمهجرون ويرويها الناجون من المذابح، ترسخ صورة الحرب الطائفية. الفيديو المقزز الذي جرى تناقله عبر الإنترنت أخيرا وأدانه حتى الائتلاف السوري المعارض، ويظهر فيه المدعو خالد الحمد أحد قادة كتيبة «عمر الفاروق» ينتزع أحشاء جندي سوري ويبدو وكأنه يريد التهام قلبه، يظهر المدى الذي بلغته هذه الحرب من دموية ووحشية، والكراهية التي تنتشر فتغذيها وتتغذى منها، وتعمق في ندوبها الطائفية.

خطاب حسن نصر الله الأخير يؤكد أيضا طائفية الحرب ويجاهر بما كان معروفا أصلا، وهو أن حزب الله يشارك في القتال إلى جانب قوات الأسد. تصريحات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي وتحذيراته من أن انتصار المعارضة السورية سيؤدي إلى «حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق»، تثبت النظرة والتداعيات الطائفية التي تتداخل مع الحرب السورية. الموقف الإيراني القاطع برفض سقوط نظام الأسد، يدور في هذا الفلك، ويفصح عن طبيعة الحرب بالوكالة الدائرة في سوريا، مما يغذي نيرانها الطائفية.

في لبنان والأردن والعراق يشعر الكثيرون بالخطر من امتدادات وانعكاسات الحرب السورية وتشابكاتها الطائفية، وتجاذباتها الإقليمية، وحساباتها الدولية.. فالعراق عاش ويعيش منذ الغزو عام 2003 عنفا طائفيا وصل في فترة من الفترات إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وهو لا يزال يجلس على برميل بارود الطائفية. الأردن يدفع دائما ثمن موقعه الجغرافي، وجواره الملتهب بالنزاعات والحروب الدموية، وموجات اللاجئين الهاربين من الحروب الداخلية أو العنف الطائفي، وهو يجد نفسه اليوم في مواجهة تداعيات الحرب السورية التي دفعت إليه بما يفوق قدراته وموارده المحدودة، بعد أن بات عدد اللاجئين السوريين يعادل 10 في المائة من مجموع سكانه، بحسب ما أوضحه الملك عبد الله الثاني. أما لبنان الذي شهد أطول الحروب الطائفية وأقساها، فإنه معرض دائما للاهتزاز أمام أي رياح طائفية بسبب هشاشة وضعه الداخلي والمماحكات السياسية ونظامه الدستوري الذي يضعف نسيج البلد ولا يعزز وحدته الوطنية. لهذا لسع سريعا بنيران الحرب السورية، فسقطت القذائف عبر الحدود ثم وصلت إلى بيروت، واشتعلت طرابلس، وعلت التحذيرات من أن البلد يجر للانزلاق مجددا نحو حرب طائفية. فخطاب نصر الله الأخير دفع لبنان برمته وليس حزب الله وحده، إلى أتون الحرب السورية، وكان مؤشرا جديدا على أن تداعياتها باتت ممتدة عبر الحدود.

نظام الأسد سيسقط، ويجب أن يذهب بعد كل القتل والدمار الذي حدث، لكن سوريا يجب أن تبقى وتسلم من التفتت ومن جراثيم الطائفية. فما الفائدة إذا سقط النظام وخسرنا سوريا، أو رأينا الطائفية تتمدد لتشعل المزيد من النيران والعنف في المنطقة. لقد هالنا وروعنا ما حدث ويحدث في العراق، فهل نسمح بتكراره في سوريا ولو بصورة معكوسة؟! بل ما هي الرسالة للأقليات إذا كان الثمن لسقوط أي نظام استبدادي، هو بروز الطائفية والفوضى وسقوط الانفتاح والتعايش؟!

المعركة في سوريا أكبر وأهم من مجرد سقوط نظام الأسد، فهل ننجح في التحدي أم يستمر مسلسل سقوط الدول في الفوضى والخراب، ويتواصل النفخ في الطائفية التي لن يسلم منها أحد؟

[email protected]