الغذاء العالمي بين الوفرة والندرة

TT

قبل أيام اذاعت محطة الاذاعة البريطانية برنامجاً كان عبارة عن سلسلة لقاءات مع خبراء تغذية اجمعوا غالبيتهم على ان نوعية الاطعمة والاغذية، على وفرتها التي يتناولها الانسان، باتت تتدنى قيمتها الغذائية شيئاً فشيئاً، وان بعضها غدا يسبب امراضاً في المعدة وغيرها.

وفعلاً فان الذي يزور متاجر الأغذية الكبرى، في اي عاصمة غربية على سبيل المثال، يندهش من كثرة الاطعمة المكدسة على رفوفها، والتي لم يرَ العالم مثيلاً لها من قبل.

اذ تجد رواقاً بعد آخر مليئاً بالخضار والفواكه واللحوم المصفوفة بترتيب وتناسق كبيرين كأنهما من صنع مهندس للتصميم، لكن انواعها واعدادها قليلة.

وهذا المشهد الجميل خداع تماماً، كما تقول مجلة «نيوساينتست» البريطانية، رغم ان الوفرة هذه موجودة. فالعالم الغربي لم يكن يتغذى ويأكل جيداً مثلما يحصل اليوم. لكن مع كل هذه الوفرة ظل التنوع، أو ندرته، مسألة فيها نظر، خلافاً لما يعتقد الكثيرون.

الغريب انه كلما زاد العالم رخاء وتعمق البحث العلمي والزراعي بقينا نركز انتاجنا الغذائي على انواع قليلة ومحدودة من الاغذية. فهل تعلم، كما تقول «نيوساينتست»، ان 95% من الغذاء العالمي مصدره 30 محصولاً فقط. وان 50% من هذا الغذاء يأتي من اربعة محاصيل لا غير، هي الأرز والذرة والقمح والبطاطس.

واستناداً الى ستيفانو باديولوسي ـ من معهد المصادر الوراثية النباتية العالمية في ايطاليا ـ فان الغرب هذا، الذي نتناوله هنا على سبيل المثال، لم يقم حتى الآن باستغلال سوى القليل جداً من الاغذية المتوافرة على هذه الأرض. وهو يدرج 1000 محصول غذائي زراعي في الهند، و1100 في اميركا الشمالية، و2500 نوع نبات في غانا وحدها، فضلاً عن 800 نوع آخر في المناطق الجرداء من الساحل الافريقي.

ومجموع المحاصيل الزراعية هذه التي لم تستغل والبالغ عددها 5400، هو قبل البدء باحصاء المحاصيل الموجودة في اميركا الجنوبية واستراليا وآسيا الشرقية. إذن ما سبب ندرة انواع المواد الغذائية التي نتناولها في الغرب، وحتى في بلداننا، في الوقت الذي يوجد فيه هذا الفيض الكبير من الانواع المختلفة؟

ربما يكمن احد الاجوبة في التحفظ التقليدي لدى الانسان الذي يرفض تجربة الجديد، ويفضل الاستمرار على ما اعتاد عليه أباً عن جد، اذ ان بعض الأغذية الجديدة تكافح لكي تلقى قبولاً لدى بعض الناس، رغم انها قد تكون اكثر فائدة من العديد من الاغذية التي نتناولها حالياً.

فمعظم اغذيتنا التي اعتدنا عليها لم يخترها علماء او بحاثة، او حتى ذواقة يعرفون ما تحبه بطونهم، بل هي جاءت الينا بحكم العادة، وربما الاختيار العشوائي من قبل اجدادنا. ونحن لا نعلم ان كانت مفيدة تماماً لنا، او نحتاج ان نضيف اليها الجديد لتكون اكثر ملاءمة لنا.

في اي حال يصر الباحثون على ضرورة تنويع المصادر الغذائية، لصحتنا اولاً، وللمحافظة على التنوع الاحيائي ثانياً. فقد حرصت بعض دوائر الأمم المتحدة على تشجيع بعض البلدان والقوميات على ادخال اغذية اضافية للوائح غذائها والتعرف على الجديد، كسياسة للحفاظ على البيئة ايضاً.