في الواقع العراقي

TT

ألقى الدكتور كاظم حبيب محاضرة في كنيسة رفرسايد بلندن عن الأحوال السائدة في العراق، وهل من مفكر أكثر منه اطلاعا عليها؟ قدّر البطالة بكل أنواعها بنحو 50 في المائة. وصف الاقتصاد العراقي بأنه اقتصاد استهلاكي لا إنتاج فيه ولا استثمار. يقبضون عوائد النفط فتوزع على الموظفين والمتقاعدين وغيرهم. الفلاح لا يزرع والعامل لا يصنع والرأسمالي يستثمر فلوسه خارج الوطن.

استعرض سائر العوامل التي تصب في هذه المحصلة. ولكنني استغربت أنه لم يذكر موضوع الأمن في استعراضه. فاضطررت للمداخلة.

معظم ما استعرضه هذا الخبير الاقتصادي من سلبيات الوضع، يعود لاختلال الأمن. العمل يتطلب استثمارات والاستثمارات تتطلب رأسمال ورأس المال جبان. من يوظف أمواله في مشروع صناعي ثم يرى الإرهابيين ينسفونه بقنابلهم أو يقتلون من يعمل فيه؟ ولهذا أصبح الحرامية وأصحاب المال الحلال يفضلون شراء عمارات في لندن عن استثمارها في بناء عمارات أو مصانع في بغداد. مَن مِن الشركات الأجنبية تخاطر بأموالها وسلامة رجالها في إقامة مشروع لإنتاج بضائع تزاحم البضائع المستوردة من إيران مثلا؟

يعيش العراق الآن في متاهة من الأوهام والأساطير التي تروجها شتى القوى الظلامية وتقتل في المواطنين ملكات وواقعيات التفكير العلمي العقلاني التي لا بد منها للنهوض والإنتاج. سمعت السيد نوري المالكي رئيس الحكومة يشير إلى عزمه على دحر ذلك الظلام. كيف سيوفق في ذلك والإرهابيون يحملون بنادقهم الصامتة لتصفية أي إنسان يقول ما لا يعجبهم أو يتحدى مرجعياتهم؟

توطيد الأمن والاستقرار من أولى أولويات العراقيين، حكومة وشعبا. على المعارضة وعلى الجميع أن يدركوا هذا الواقع ويعملوا وفق هذا الإدراك. وبالتالي فعلى الجميع، وكل القوى العاملة في الساحة، أن تسعى وتتعاون فيما بينها، وبينها وبين السلطة، أيا كانت، للعمل من أجل هذه الأولوية، ألا وهي القضاء على هذا المارد، مارد الإرهاب، وإقامة سلطان القانون والنظام. وعندما يتم تحقيق الأمن والاستقرار، يكون لكل حدث حديث.

على المواطن الكردي أن يشارك أيضا في هذا الإدراك. فلا يمكن تحويل أربيل إلى دبي ثانية إذا كانت بغداد تحترق. بغداد ست البلاد وستبقى مغناطيسيتها تجتذب الشارد والوارد.

تسمع العراقيين يشيرون بحسد إلى ازدهار دول الخليج وسعادة مواطنيها. ويقولون لماذا لا نكون مثلها؟ سؤال وجيه وجوابه يسير. إنه الاستقرار واستتباب الأمن وسيادة القانون واستمرارية النظام. وعندما يتوفر ذلك في العراق، سيرون كيف تعود الرساميل للبلاد وتتهالك الشركات الأجنبية على الاستثمار فيها، ويتحول العاطلون إلى طبقة عاملة ضاربة وترجع المواهب والقدرات والمؤهلات العراقية المهاجرة للمشاركة في النهوض والإنتاج والحياة في وطن يعتزون به ويسعدون.