اندلاع الأوبئة.. وآليات التخطيط والتواصل

TT

العالم اليوم دون أدنى شك أصبح قرية صغيرة، فلو عطس أحدهم في قارة تأثر بها آخر في قارة أخرى. وواقع الأمراض المعدية أصبح هما سنويا متواصلا بعد أن كان هما موسميا، ولذا أمست الأمراض الموسمية في الدرجة الثانية بعد تصدر الأمراض الوبائية المباغتة في اختيارها وقت ظهورها، ومكان ظهورها، والعلامات المرضية لظهورها وتداعيات ذلك كله على أجسام المصابين بها وعلى حالات الفزع لدى الأوساط الطبية وأوساط الناس.

ما الذي يجري بالضبط وبدقة عالميا لدى البشر في شأن الأمراض الوبائية؟ لا أحد يعلم الإجابة لهذا السؤال إذا كان المطلوب أن يتضمن الجواب توضيحا بمستوى «بالضبط» وبـ«دقة» ولكن، ما يقوله الخبراء في شأن الصحة عموما، وفي شؤون الأمراض المعدية بوجه الخصوص، وفي شأن الأمراض الفيروسية المعدية بخصوصية أشد، أن العالم لم يعد كما كان سابقا، والحواجز القديمة التي كان التباعد الجغرافي وصعوبات التنقل أهم جدرانها، تلاشت بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ.

ولكن هذا ليس كل القصة، كان ثمة جدار أشد، يبدو أنه انهار بشكل كبير أيضا، وهو الجدار الفاصل بين الإنسان والحيوانات، أي انتقال أمراض الحيوانات إلى الإنسان. لا نعلم من أين ولماذا وكيف حصل، ولكن أمسينا في العالم نسمع عن أمراض فيروسية جديدة، تندلع أوبئتها هنا وهناك، والعلماء يبدأون عملهم إزاءها بطريقة قد يراها البعض غريبة ومن مكان قد يراه البعض أغرب، وهو باختصار: أخذ عينات من الحيوانات الموجودة في البيئة التي بدأ المرض فيها بالظهور!

في شأن فيروس «سارس» وصلنا إلى الخفافيش، وفي شأن فيروس «ميرس» كورونا الجديد ثمة من يتحدث أيضا بقوة عن خفافيش أخرى، ومن مناطق بعيدة جدا عن خفافيش المنطقة التي ظهر الوباء فيها، والقصة لها علاقة بالجينات المختلفة لخفافيش منطقة وخفافيش منطقة أخرى في قارات بعيدة. ثم تبدأ عمليات التتبع والتحري لرسم خط الانتشار ووصوله إلى أناس في منطقة ما، ثم رسم خطوط الانتشار في ما بين البشر.

منظمة الصحة العالمية من جهتها كانت قد أصدرت في عام 2008 إرشادات خاصة بالتعامل مع اندلاع الأمراض الوبائية والتخطيط والتواصل خلال بدايات ظهورها والمراحل التالية Outbreak Communication Planning Guide. وقراءة المطبوعة هذه المكونة من 30 صفحة، الصادرة عن المرجعية الصحية العالمية الأعلى، ممتع ومفيد بلا شك. واللغة المستخدمة في كتابتها ليست عصية على من يتحدث بالإنجليزية. وتحت عنوان، نطاق الوثيقة Scope، تقول المنظمة: «التوصيات الواردة في هذه الوثيقة مبنية على إرشادات منظمة الصحة العالمية للتواصل حال اندلاع الأوبئة المعدية، وباتباع مجموعة الإرشادات تبني المنظمة قدرات التواصل مع الجمهور، التي هي مهمة في تحديد نوعية تفاعلهم إزاء الحالات الطارئة على صحتهم». وهي التي وصفتها وفق التصنيفات الطبية للممارسة بأنها أفضل ممارسة Best Practice.

وتقول المنظمة في وثيقتها: «من العناصر المهمة في إدارة التعامل مع الحالة الوبائية، التواصل الفعال حول الخطر. وحينما يكون الجمهور عرضة لخطر حقيقي أو محتمل وحينما لا يكون ثمة علاج ناجع له، فإن ما يبقى هو التواصل الفعال وتبليغ النصائح والتوجيهات كوسيلة مهمة في إدارة الخطر». والمبادئ الرئيسة لتلك الإرشادات هي الثقة والإعلان المبكر والشفافية والاستماع والتخطيط. وتفصل بالقول: «الثقة هي المفتاح الرئيس للتواصل حال اندلاع الأوبئة، وذلك بطريقة التواصل الذي يبني ويصون ويستعيد الثقة بين الجمهور ومديري التعامل مع التفشي الوبائي outbreak managers ودون هذه الثقة يغدو الجمهور لا يصدق أو لا يتصرف كما يجب مع المعلومات الصحية التي تعطيها له السلطات الصحية خلال اندلاع الجائحة الوبائية».

وتضيف المنظمة قائلة: «كما أن الإعلان المبكر عن خطر صحي محتمل أو حقيقي هو أساسي في رفع وعي الذين أصيبوا ويقلل من تهديدات المرض. والإعلان المبكر، حتى لو كان يتضمن معلومات غير متكاملة، يمنع ظهور الشائعات أو المعلومات المغلوطة». واستطردت المنظمة بالقول: «كلما طال أمد كتم المعلومات، زاد الخوف حال إعلان المعلومة، وخصوصا حينما يكون مصدر الإعلان خارجي».

وحول جانب الشفافية، تقول المنظمة: «الحفاظ على ثقة الجمهور طوال وقت انتشار الأوبئة يتطلب جهدا متواصلا من الشفافية، وهو ما يعني تقديم معلومات وفق جدول زمني ومتكاملة المحتوى حول الخطر المحتمل أو الحقيقي وكيفية معالجة الوضع». وقالت: «تفهم الجمهور لتوقعات الخطورة يضمن الدعم لجهود المعالجة، لأن تعاونهم ضروري لاتباعهم النصائح والتغيرات السلوكية اللازمة لحماية صحتهم». وختمت عرض العناصر تلك بتأكيد حقيقية واقعية وهي أن: «اندلاع الأوبئة يمثل تحديا هائلا قد تواجهه أي سلطات صحية، في أي مكان من العالم، وهو ما يتطلب التخطيط المسبق للالتزام بعناصر المبادئ المذكورة، والتي من المهم أن تترجم عمليا، أي حال حصول اندلاع الأوبئة».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]