لبنان: استراتيجية حزب الله الخطرة

TT

«الإسلام يريد مؤمنين واعين وأذكياء، لا متعصبين عبيدا لأهوائهم».

جاء هذا المقطع ضمن كلمة موسى الصدر، رجل الدين الإيراني المولد، الذي كان حتى اختفائه عام 1978 أبرز قادة الشيعة اللبنانيين.

وأنقل هنا اقتباسين آخرين مما قاله الصدر أيضا: «نحن نرفض الانتهازية والخداع السياسي والتحالف مع الشيطان، والانحناء إذا اشتدت العاصفة».

و«الإسلام ليس متجرا نجني منه الأرباح، وليس وسيلة لتسخير الناس لخدمتنا، كما تفعل المؤسسات والمؤسسات الدينية».

في الخطبة السابقة التي لم تنشر، يصف الصدر أيضا عالم الاجتماع الشيعي الإيراني علي شريعتي، بمصدر الإلهام، وكرر توبيخ شريعتي للملالي. وتحدث الصدر عن الحفاظ على أمن لبنان ورفع مستوى معيشة الشيعة الذين يشكلون أفقر شرائح المجتمع اللبناني في ذلك الوقت.

وصلني نص هذه الكلمة، بالمصادفة، عبر البريد الإلكتروني في نفس توقيت إلقاء حسن نصر الله، زعيم حزب الله الحالي، كلمته التي برر فيها مشاركته الرئيس بشار الأسد حملته ضد الشعب السوري.

ما الذي كان الصدر ليقوله عن قرار نصر الله؟

لا يملك المرء إلا الاعتقاد بأنه سيشعر بالقلق إزاء جر لبنان إلى مغامرة خطرة خارجة عن السيطرة.

وقد يتكهن أحدهم، ببعض الثقة، أن الصدر لن يعتبر الحفاظ على بقاء أسرة الأسد سببا يستحق القتال من أجله، فقد كان الصدر متشككا في الطبيعة الحقيقية لنظام الأسد، وبرغم تودد حافظ الأسد الدؤوب له فإنه لم يتوجه مطلقا إلى دمشق.

كان سيحزن من دون شك لوفاة مئات المسلمين، بينهم نحو 150 من مقاتلي حزب الله، في المعركة للسيطرة على القصير.

ربما الأهم من ذلك أن الصدر كان سيرفض قرار نصر الله بالتحرك بناء على أوامر من طهران، فذكرت صحيفة «كيهان» الإيرانية أن دخول الفرع اللبناني لحزب الله الحرب الأهلية السورية جاء استجابة لتعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي.

يأتي هذا على نقيض محاولات الصدر المتواصلة بألا يتحول إلى أداة للتأثير لصالح قوة خارجية، بما في ذلك مسقط رأسه إيران. والحقيقة أن هذه القضية أسهمت بشكل كبير، أكثر من أي شيء آخر، في انفصاله نهائيا عن إيران أثناء حكم الشاه؛ فقد أدى رفضه طاعة أوامر من طهران إلى توقف المساعدات المالية والدعم السياسي، لكن الصدر لم يتأثر وصار زعيما للشيعة اللبنانيين، وتعلم كيف يفكر ويتحرك لصالح لبنان لا إيران.

وكصحافي، التقيت الصدر عدة مرات، على مدى سنوات، وشهدت كيف تحول تدريجيا إلى زعيم لبناني كامل، حتى إن لكنته الفارسية اكتسبت نبرة لبنانية.

قرار نصر الله يثير تساؤلا بشأن عدد من الروايات، أولها أنه لم يتم التشاور مع أي من مسؤولي حزب الله بشأن الأمر، كما لم يتم إعلام الحكومة اللبنانية شريك حزب الله.

وغني عن القول أنه لم يستشر الجيش اللبناني أيضا؛ فهناك جيش لبناني خاص تسيطر عليه قوى أجنبية تستخدم قواعده في لبنان للمشاركة في حرب في دولة أجنبية.

ومن ثم لا يوجد مؤشر على أن غالبية اللبنانيين أو حتى غالبية الشيعة اللبنانيين يوافقون على سلوك نصر الله المغامر. والحقيقة أن المعلومات التي تلقيناها من بيروت والجنوب تشير إلى قلق متزايد بين الشيعة.

هناك مؤشرات أيضا على أن البعض داخل حزب الله ذاته غير سعداء باستراتيجية حزب الله. والمؤكد أن غالبية الشيعة اللبنانيين يريدون القرب من إيران، ويوافقون على بناء علاقات وثيقة مع أي نظام قائم في طهران، لكن الصداقة شيء، والخضوع شيء آخر.

خلال حربه الصغيرة مع إسرائيل عام 2006، خسر حزب الله نحو 600 من رجاله، لكن خسائره في سوريا فاقت بالفعل 300 بحسب تقارير؛ فمقاتلو حزب الله مدربون على عمليات الكر والفر، وغير مؤهلين لاحتلال أراض والسيطرة عليها، الأمر الذي يحتاجه الأسد إذا أراد استعادة المناطق التي يحتلها الثوار السوريون. والنمط الحالي للصراع يشير إلى أن الأسد يستخدم عناصر حزب الله وقودا لمدافعه، لتمكين وحداته العلوية من السيطرة على المناطق ذات الأغلبية السنية. وبعبارة أخرى يتم استخدام حزب الله كأداة للتطهير العرقي ضد مسلمين آخرين، وهو أمر ما كان الصدر ليوافق عليه.

لقد حاول نصر الله على مدى سنوات تنصيب نفسه حامي الإسلام، وإن كان ذلك صعبا فعلى الأقل بين العرب. لكنه الآن لم يعد يتصرف حتى كزعيم مجتمعي، وبدا وكأنه واحد من البيادق التي يتحكم فيها قاسم سليماني في لبنان وسوريا.

الاختلاف بين الصدر ونصر الله هو أن الصدر كان مهتما بشكل أساسي بلبنان، وبشكل أكثر تحديدا بمجتمعه الشيعي، فيما كان نصر الله مقاتلا مواليا للشيعة يرى في إيران مصدر عقيدته.

يتصرف نصر الله كالقادة الاشتراكيين الذين اعتبروا أنفسهم مجرد وكلاء للاتحاد السوفياتي. ومع سقوط الاتحاد السوفياتي اختفت هذه الأحزاب جميعا، لكن الأحزاب الاشتراكية التي احتفظت بنوع من الاستقلالية عن الاتحاد السوفياتي السابق، تمكنت من البقاء، وخاصة في فرنسا والبرتغال وإسبانيا.

سيقوم نصر الله بعمل جيد إذا تفكر في الأمثلة التي ضربها شيخان آخران؛ الأول هو آية الله العظمى علي محمد السيستاني، مرجع تقليد للشيعة الآن، ورفض السيستاني على مدى أكثر من عقد التضحية بمصالح العراق على مذبح الطموحات السياسية، فبدلا من إذكاء نيران الحرب الطائفية، استغل السيستاني مكانته الكبيرة للمساعدة في تصفية خلافات السياسات العراقية. وبرغم المحاولات اللامتناهية فإنه رفض التدخل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

المثال الثاني للراحل السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يعتبر الزعيم الديني الأول للحزب في ذلك الوقت. لكن فضل الله كان طوال حياته زعيما شيعيا لبنانيا لا مجرد أداة لتحقيق أحلام الخميني.

ما يفعله نصر الله يضر الشيعة ولبنان وحزب الله وسوريا وإيران أيضا، وسوف يدخله في ما أطلق عليه الصدر مخططات شيطانية.