لمحة عما يمكن أن يحدث

TT

عند مشاهدة خطاب الرئيس أوباما المقنع عن سياسة مكافحة الإرهاب يوم الخميس الماضي، لا يسعك سوى التساؤل عما يمكن أن ينجزه إذا تمكن من تطبيق ما قاله بالقدر نفسه في حكم البلاد التي أظهرها كرئاسة أركان سرية. بإعلانه وضع قيود جديدة على استخدام الطائرات المقاتلة التي تعمل من دون طيار للقتل بالاستهداف والدفع باتجاه إغلاق معتقل غوانتانامو، أشار أوباما بقوة أكبر من أي وقت مضى إلى رغبته في طي صفحة في التاريخ الأميركي بدأت بهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقال في ختام خطابه: «لا بد لهذه الحرب أن تنتهي مثل كل الحروب الأخرى». وقال إنه أراد تعديل أو إلغاء تفويض عام 2001 باستخدام القوة العسكرية الذي يعد المبرر القانوني للحرب العالمية على الإرهاب. إنه يريد إبعاد أميركا عن الحرب المستمرة بحيث يتعين على الرؤساء القادمين تقديم تبرير حصيف لأي استخدام للقوة في المستقبل بحسب كل حالة.

ويتطلب إرساء هذا الواقع الجديد وضوحا فكريا وجرأة أيضا. إنها لمفارقة أن ترسخ قدما هذا الرئيس، الذي يمتلك سلطة إدارة وتجربة سياسية محدودة، في عالم الحروب السرية ويعرف متى يصعّد الأمور كما فعل في الهجمات، التي تجري بالطائرات التي تعمل من دون طيار، وهجوم مايو (أيار) 2011 الذي أسفر عن مقتل أسامة بن لادن، ومتى يخفف حدتها كما يفعل الآن. جاءت لحظة أوباما غير المخططة عندما قاطع إحدى الحضور عرضه لأكثر مشكلات الدولة الاستخباراتية حساسية ولم يخسر الرئيس أي خطوة، فهو لم يدافع فقط عن حق التي قاطعته في الحديث، بل دافع عن حقها في انتقادها للسياسات الأميركية وقولها إنها تؤدي إلى تدمير البلاد من دون قصد. ما يزعج أوباما هو الإرث الذي خلفه وراءه جورج بوش الابن من حرب خطابية ساخنة، قائمة على قواعد غير منضبطة وافتراضات سياسية بحرب طويلة لا نهاية لها. لقد عمل على الخطاب وجعل القواعد أكثر انضباطا. إنه حكيم من الجانبين.

لا تزال بعض السياسات غير واضحة. يقول الرئيس إنه يريد الابتعاد عن الهجمات التي تتم من دون طيار والاتجاه إلى استهداف من يمثلون «خطرا محدقا مستمرا» على الأميركيين فقط، لكن هذا ليس الآن وكذلك ليس في جميع الأماكن. إنه يعلم أن «محدقا» لا يعني فوريا، ولحماية الأميركيين ربما يقتل مفجر انتحاري على بعد آلاف الأميال وقبل أشهر. ويحظى بثناء البلاد بهذا الاعتراف الذي يتسم برباطة الجأش. ولا تزال هناك الكثير من التفاصيل، فعلى الساحة الأفغانية، التي تشمل منطقة القبائل في باكستان، يعتزم استخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار بشكل كبير حتى انسحاب القوات الأميركية المقاتلة عام 2014. ما رأي باكستان في ذلك؟ ويريد الرئيس نقل مهمة تشغيل تلك الطائرات من سلطة الاستخبارات الأميركية إلى سلطة الجيش، لكنه لم يوضح كيفية تحقيق ذلك. إنه يريد المزيد من الرقابة على القتل بالاستهداف، لكنه يواجه اعتراضات دستورية وعملية على إيكال المهمة للمحكمة الخاصة أو لهيئة المراجعة التنفيذية. ولا تعد هذه خطة تحول مثالية، لكن شاهدت البلاد يوم الخميس الماضي رئيسا يؤكد أهمية التحذير الذي اقتبسه من جيمس ماديسون وهو «لا يمكن لدولة الحفاظ على حريتها في ظل حروب مستمرة». ولا ينطبق هذا القلق من الصراع المستمر على الطائرات التي تعمل من دون طيار، ولم يطلع أوباما على خطة للقوات العسكرية الأميركية إزاء سوريا يعتقد أنها ستجدي نفعا، لذا يرفض الموافقة عليها. ويدرك ورطة القيادة أحادية الجانب منذ الحادي عشر من سبتمبر، فلا أحد يريد تحدي قرار رئاسي في وقت اتخاذه، لكن يريد الجميع تقديم تخمين آخر. إنه محق في ضرورة تغيير طرفي المعادلة. ويبدو أوباما بدوره الماكر كرئيس أركان سري أنه استوعب نصيحة روبرت غيتس، وزير دفاعه المنتقد كثيرا، خلال مدته الرئاسية الأولى؛ فقد حذر غيتس قائلا: «يفسد شخص ما في مكان ما في الحكومة الفيدرالية كل يوم شيئا، ويمكن أن يصل ذلك إلى البيت الأبيض». لقد وضع أوباما، المتبع لنصيحة غيتس، حدا لانفلات قواعد الجيش والاستخبارات خلال إدارة الحروب الأميركية السرية، لكنه قرر أيضا مهاجمة بن لادن مع علمه بأن هذا سيؤدي إلى كارثة. ويتمثل التحدي، الذي يواجهه أوباما الآن مع بداية العودة بسياسات مكافحة الإرهاب الأميركية إلى المسار الصحيح المتمثل في التعامل مع التهديدات الحقيقية، في استخدام نفس الصرامة والحزم، مع الصراحة والنقاش المجتمعي، في معالجة المشكلات الأكبر التي تتعلق بإدارة شؤون أميركا.

عند مشاهدة أوباما يوم الخميس تشعر بأنه لا يزال يتمتع بالذكاء والحكمة التي تحتاجها قيادة البلاد بعيدا عن هذا الوضع المتدهور الفوضوي. ولهذا السبب أعادت البلاد انتخابه؛ استمر.

* خدمة «واشنطن بوست»